«أشغال داخليّة 5»... فيديو ورقص وسياسةنوال العلي
«العصر الجليدي على الأبواب، إننا في عصر المفاعلات النووية، المدينة تغرق ونحن نعيش إلى جانب النهر». في London Calling، غنّت فرقة The Clash البريطانية للغرق المقبل الذي تقبل عليه لندن، بصفتها جزءاً من العالم بعد نهاية الستينيات، والاقتراب من الثمانينيات التي شهدت ما يعرف بأيدولوجيا نهاية التاريخ. الفن المعاصر بدوره، يبدو وسيلة الاحتجاج، والعازف المنفرد في أدغال العصر الحديث.
الستينيات بما لها وما عليها، وكيفية تعليم الفنّ في المعاهد، هما من المحاور الأساسيّة لبرنامج «الفوروم» الشهير الذي يُعقد مرّة كل عامين في بيروت تحت اسم «أشغال داخلية» Home works... هذا الـ«منتدى عن الممارسات الثقافيّة» الذي يطفئ ابتداءً من اليوم، شمعته الخامسة.
جمعيّة «أشكال ألوان» التي ترفع لواء الفنون المعاصرة، ستُطلق أيضاً أكاديميّتها في المناسبة (راجع المقال أدناه). وكان يُفترض أن يفتتح المهرجان أمس بعرض «سولو» لإيزراييل غالفان، لكنّ البلبلة التي أصابت حركة الملاحة بسبب بركان إيسلندا حرمت الجمهور اللبناني هذه اللحظة الاستثنائيّة والنادرة التي كان سيشكّلها حضور معلّم الفلامنكو والفنان الإسباني الشهير. وها هو المنتدى يفتتح الليلة بمشاركة تلميذة غالفان، الفنانة اللبنانيّة يالدا يونس.
النظرة الأولى للخلطة الغريبة لمختلف عروض «أشغال داخلية 5» تصيب بالدوار. لا يمكن الجمهور أن يعرف ما الذي يختبئ خلف العناوين الرائعة التي يتضمّنها البرنامج. لكن الدوار الفكري لا يحمل معاني سلبية فقط، قد يعني أيضاً البحث عن الذات في الآخر. مراجعة بسيطة لبرنامج «أشغال داخلية» تظهر حضور العروض المتعددة المشارب والأنواع. ثمة محاصصة شبه عادلة بين المناطق الجغرافية، مع حضور لافت لإيران وتركيا. وبالنظر إلى فقر بلادنا العربية في مجال الاطّلاع على الفنون المعاصرة العالمية، تنفرد «أشكال ألوان» في بيروت بهذه الوصفة العصرية لتناول الفن المعاصر. إذ تسلّط الضوء على الفنون التي لا تحتل مركز الاهتمام في الحياة «الثقافية» العربية... لكنّ أثر هذه التظاهرة المحدودة في الزمان يبقى موضع سؤال.
يتوزّع برنامج «أشغال داخلية 5» بين مسارح «مونو» و«بابل» و«دوّار الشمس»... فيما تقام عروض الأفلام والفيديو في صالة «متروبوليس أمبير صوفيل»، باستثناء فيلم آفي مغربي Z32 الذي يعرض يومياً في «مركز بيروت للفن». ونلاحظ كالعادة حضوراً كثيفاً لأعمال التجهيز والفيديو آرت (مركز بيروت للفن) مثل أعمال حسن خان (مؤامرة)، ومروان رشماوي (C60)، وفارتان زفاكيان (موجة قصيرة. موجة طويلة)، وغسان حلواني (ماكينة مربِكة)، ومهى مأمون (2026)، ورائد ياسين (ديسكو الليلة)، وآلاء يونس (عسكر من تنك)... فيما غاب الرسم عن البرنامج، إذا استثنينا إطلالات خجولة مثل لوحة «أهلاً أهلاً» لأمل عيسى.
من الأعمال اللافتة تجهيز «شيكاغو» للثنائي آدم برومبرغ وأوليفر شانارين الذي يجسّد «مدينة عربية اصطناعية واقعية بناها الجيش الإسرائيلي بهدف التدريب على قتال الشوارع». وكذلك عمل «مساطر ودراسات إيقاعية» لجفديت ايريك الذي ابتكر أدوات لتفسير مسارات شخصيّة، على شكل مساطر، بينها اثنتان أنجزهما الفنان التركي خصيصاً لـ«أشغال داخلية 5». كلّ منها يغطّي فترة من 1974 حتى 2000.
وإذا كنّا على موعد، خلال الملتقى، مع الموسيقى الاختباريّة، من خلال «فضاءات أوّلية في عالم جديد وجريء» (دانيال كماردا، جاكوپو كاريرا، رائد الخازن، لانا ضاهر، جنى صالح)، و«دربكّة وداهولا» (أحمد صبري)، فإنّ الرقص بدوره حاضر هنا. رغم وجود مهرجان مخصص للرقص المعاصر في بيروت هذه الأيام، يشغل الرقص والفنون الأدائية حيّزاً معتبراً من البرنامج. مثل «أتيت» العمل الذي يفتتح البرنامج الليلة، ويحمل توقيع يالدا يونس بالاشتراك مع غاسبار دولانوي (اليوم و23 /4 ـــــ مونو)، والعرض الراقص «ارتجال» لبوريس شارماتز وميديرك كولينيون (28 /4 ـــــ دوار الشمس). وتقدم أنطونيا بير العرض الأدائي «ضحك» (29 /4 ـــــ بابل) باحثة عن الصوت والرقص والموسيقى والحركة التي يوفرها الضحك، ليس بوصفه كوميديا بل مستوى نفسياً معقّداً ومعدياً... أمّا فرقة «أوتوليث»، فتقارب في العرض الأدائي «شيوعيون مثلنا» (30 /4 ـــــ مونو) فيلم جان لوك غودار «الصينية» (1967). فيما يحتضن «مسرح مونو» أحدث أعمال الثنائي ربيع مروة ولينا صانع: «فوتو رومانس» (راجع المقال في مكان آخر من الصفحة).
تتوقّف الدورة الحاليّة من «أشغال داخلية»، عند حقبة الستينيات، عبر الندوات والمحاضرات، بما تضمّنته من خيارات المثقف السياسي وبالتالي الاجتماعي. عباس بيضون سيتحدث منطلقاً من تجربته الخاصة عمّا بدأه في الستينيات سياسياً وثقافياً، وإلى أين وصل به حتى هذه اللحظة (1 /5 ـــــ بابل). وتحت عنوان «في الحنين (الحذر) إلى الستينيات»، سيستعيد فاروق مردم بك تجربته بين مدينتين: دمشق وباريس (مساء الغد ـــــ مونو). هذا العقد حاضر أيضاً في بعض الأفلام المعروضة، مثل «الجيش الأحمر الموحّد» لكوجي واكاماتسو، الذي يتناول الموجة الطلابية الراديكالية في يابان الستينيات (1/ 5 ـــــ متروبوليس).
ما زالت العمليات الانتحارية تشغل «أشكال ألوان». لم ننسَ محاضرة الدورة الماضية «لماذا ننتحر؟» التي أثارت جدلاً واسعاً. واللافت أن الموقف ما زال نفسه من العمليات الانتحارية التي تقدَّم على أنها عمليات قتل مجرّدة: فادي توفيق يقارن بين جاك السفاح والانتحاري بوصفه «السفاح يفلت من العدالة»، في محاضرة «القاتل الجديد»، يليها توقيع كتاب بالعنوان نفسه (24/ 4 ـــــ مونو). من جهة أخرى، يقدّم نزار صاغية محاضرة «أبعد من الطائفية، لمن ينبض قلب المدينة» (25/ 4 ـــــ مونو)، ملاحظاً أن القائد عقبة أساسية أمام تطوّر المدنيّة. وتلفت النظر مشاركة علي فيّاض بمحاضرة «الإسلاميون والدور الثقافي: ثقافة خاصة أم ثقافة مجتمع». كما يعود جلال توفيق بمحاضرة «لا تذهب إلى جهنّم في سبيل متابعة الفيلم حتّى نهايته». ويستعيد محمد سويد ملامح بيروت في أفلام عالميّة.

ما زالت العمليات الانتحارية تشغل بال «أشكال ألوان»، وفاروق مردم بك يحنّ (بحذر) إلى الستينيات
الفنانون أيضاً يقدمون محاضراتهم، مثل الألماني هيوا ك الذي سيحكي في «كما لو أنها مدرسة للفنون» (29/ 4 ـــــ مونو) عن تجربته الشخصيّة كطالب في «الأكاديمية الألمانية للفنون»، والمناهج التربوية المعتمدة في تعليم الفن. وهي الثيمة الأخرى لـ«أشغال داخلية 5» هذه السنة مع وقفات عدة تطرح هذا الموضوع، مثل ندوة «ما التعليم اليوم؟» (25 /4 ـــــ مونو). أمّا الإيرانية ستاري شاهبازي، فستقرأ «مفكرة معكوسة»، التي تعود من خلالها إلى طفولتها في إيران (1/ 5 ـــــ بابل). ويقوم أشكان سباهفند بجولة في المتحف الوطني في بيروت، مسترجعاً قصص الحرب والقصف. بينما يقدّم طوني شكر مشروعه «السماء فوق بيروت» (ابتداءً من 26 /4 ـــــ جولة في المدينة تنطلق من قبو كنيسة القديس يوسف).
ومن الأفلام التي ستعرض Z32 للسينمائي الإسرائيلي التقدّمي آفي مغربي، الذي يسجّل هنا اعترافات ضابط في فرقة كوماندوس إسرائيلية وعمليات التصفية التي ارتكبتها (يوميّاً في BAC)، و«لحظة أيها المجد» (26/4) لشيرين أبو شقرا، الذي يعود إلى الزمن الجميل مع بورتريه للمغنية اللبنانية وداد، و«أنصاب طهران» (30 /4) للإيراني بهمان كياروستامي. ويلي العرض نقاش مع السينمائي.
مواعيد «أشغال داخلية»، في دورتها الخامسة، كثيرة. والمواضيع الأساسية باتت متّفقاً عليها تقريباً: الحرب والأصوليّة والانتحاريون والعسكريتاريا والعمارة الجديدة في بيروت. الجندرة وقضايا المرأة حاضرة بتواضع... يبدو أن السياسة هي محور البرمجة، ولو من زوايا خاصة وإشكاليّة ومتعددة. السياسة في تماسّها مع الفن المعاصر، «كلاش» الأزمنة ما بعد الحديثة.


حتى الأول من أيار (مايو) ـــــ الدخول مجّاني ـــــ للاستعلام: 01/360251
البرنامج على
www.ashkalalwan.org