بيسان طيمي ضاهر وأبناء جيلها الصحافي رووا الحرب كلّها وتابعوها وسجّلوها في ذاكرة لبنان والعالم. قبل حادثة بوسطة عين الرمانة الشهيرة وبعدها، كان هؤلاء الصحافيون في الميدان خلال حرب السنتين، وأثناء الاجتياح الإسرائيلي، وفي سوق الغرب، والشريط الحدودي الذي كان محتلاً. إنهم صحافيون حملوا «دمهم على كفهم» يوميّاً كي «يشهدوا» ـــــ كلٌ من وجهة نظره ـــــ على فظائع الموت والدمار والخوف. هكذا ساهم كلّ في رسم جانب من الصورة العامة، تلك الصورة التي صارت اليوم أرشيف الحرب. نعيد اليوم تصفّح كتاب مي ضاهر يعقوب، «صحافية بثياب الميدان»، بغضّ النظر عن كل الانتقادات والمآخذ التي يمكن أن تراود القارئ. نتصفّحه كعيّنة ميدانيّة عن تجربة جيل ومرحلة، في ذكرى انقضاء 35 سنة على اندلاع الحرب الأهليّة. نقرأ النص ونتوقّف عند الصور التي ضمّها الكتاب، نراها واقفة وسط الدمار، والقنابل تتفجّر من خلفها. تشهد الصور على وجوه صحافيين مغطاة برمال بيضاء، وفي نظراتهم شيء يصعب وصفه. إنه الذعر الممزوج بعناد الذين رفضوا «ترك الميدان» قبل أن يشهدوا ويبلّغوا بما رأوه.
لكن، أين هؤلاء اليوم؟ سيطول البحث. «الأزمة الماليّة» جرفت من جرفت منهم، وتسارع الأحداث وتغيّر الأزمنة تكفّلا بالباقي. هرم هذا الجيل من دون أن يترك ورثة بالمعنى الحقيقي، في زمن الإنترنت و«الفايسبوك» و«التويتر»: تغيّرت التقنيّات والذهنيّات أيضاً! ربّما كانت الصحافة المكتوبة يتيمة اليوم، محرومة من جيل أعطى العمل الميداني ملامحه ومذاقه... فيما يفرز زمن الفضائيّات جيلاً آخر من المراسلين وصحافيي الميدان. جيل آخر، بمنطق مختلف وبوسائل تواصل فوريّة، لا علاقة لها بسحر المكتوب وخصوصياته.
فجأة، اكتشف الناس إشكاليّة تمويل الإعلام المكتوب. التمويل المحلي والأجنبي والعربي للمؤسسات الإعلامية قديم، لكنّه لا يصنع المنبر الإعلامي، بل يصنعه الصحافيون أولاً وأخيراً. وفي هذا السياق، نستعيد اليوم جيل مي ضاهر، ونبحث عمّا يميّزه عن الأجيال السابقة واللاحقة. لولا هؤلاء الصحافيون، لما بقيت المؤسسات الإعلامية اللبنانية، ولما نجحت، ولما أنتجت ووزّعت. الذين دخلوا «الميدان» بعد الحرب، يدينون لأولئك بالكثير. إننا ندين لهم بالحفاظ على المؤسسات، وتطوير هذه المهنة. لماذا أُبعد جيل الحرب عن المؤسسات الإعلامية؟ السؤال مرتبط بأولويّة الدفاع عن أخلاقيات مهنة الصحافة... وعن شروط العمل في بلد لا يعرف الاستقرار.