أفاتار» و«خزانة الألم» اللذان تنافسا على أمجاد هوليوود، يلتقيان عند تكريس فوقية الاستعمار الأميركي. عودة إلى كاثرين بيغلو وفيلم الأوسكارات الستة
نيويورك ــ عماد خشّان
مَن قال إنّ «خزانة الألم» لا يُشبه «أفاتار»؟ صحيح أنّ شريط كاثرين بيغلو يدور في العراق 2004 وليس في الفضاء، لكن هل من فرق إن كان الأميركي يغزو كوكب «باندورا» كما في «أفاتار» جيمس كاميرون، أو أرض العراق؟ أفلام الفضاء تصوّر بطولات خارقة وأسلحة فتّاكة. نرى الروّاد على كواكب أخرى يختلطون بسكّانها الذين قد يكون لون سحنتهم أزرق كما في «أفاتار»، أو بنيّاً كما في «خزانة الألم». نراهم يحاولون فهم لغات هؤلاء السكّان لكشف ما يخطّطون لهم. قد تكون تلك اللغة هي لغة «نافي» كما في «أفاتار»، أو العربية كما في «خزانة الألم»! وحدها كاثرين بيغلو نجحت بأن تأخذ فكرة من أفلام الخيال العلمي وتردّها إلى الأرض ـــــ أرض العراق! ـــــ فاستحقّت ست جوائز «أوسكار».
يحكي الفيلم قصة وحدة عسكرية أميركية، من ثلاثة جنود مختصّين في تفكيك العبوات الناسفة التي تضعها المقاومة على قارعة الطرقات، وفي السيارات والأبنية، وفي كل مكان من الفضاء الذي يغزوه هذا الجيش. تضعنا بيغلو قريباً جداً من هؤلاء الجنود، بحيث نرى بسهولة التغيّرات في عضلات وجوههم بفعل الخوف أو الغضب. نسمع كلماتهم كأنهم يتحدثون في آذاننا، وصوت تنفّسهم اللاهث وهم ينتقلون مفكّكين عبوةً تلو أخرى. هذا هو المجال الذي يعمل فيه ثلاثة جنود بقي على تسريحهم 38 يوماً، قبل أن يعودوا إلى كوكبهم الأمّ «أميركا». في إحدى المهمات، يُقتل قائد الوحدة ويظل اثنان أحدهما أوين الدريدج (براين غيراغتي) الذي يرى أنّه «بمجرد وجودك في العراق، فأنت ميت». والآخر هو سانبورن (أنتوني ماكي) الجندي التقليدي الذي يطيع رؤساءه على أمل إنهاء خدمته ومغادرة العراق حياً.
تصوير ممتاز قام به باري آكرويد وسط أحياء فقيرة ومهملة تقع على تخوم الصحراء
منذ بداية الشريط، يبدأ العد العكسي لأيام هذين الجنديّين في العراق، ونبدأ بحبس أنفاسنا لنرى إن كانا سيخرجان من هذا المستنقع. كأنّ ما يعانيانه من رعب لا يكفي... وإذا بالضابط الذي يحلّ مكان قائدهما القتيل، يبدو غاية في التهوّر والمقامرة بروحه وبأرواح من حوله. إنّه وليم جيمس (جيرمي رينير) الشاهد على أهوال أفغانستان، الميت من الداخل، يعيش حياةً عدمية. يدخّن بشراهة، ويستمع إلى الهارد روك، ويجمع تذكارات من العبوات التي يفكّكها، ويشاهد أفلاماً خلاعية يشتريها من طفل عراقي في الشوارع. هكذا، فعلاقة الجنديين به تبدأ بالتدهور، إلى درجة أنهما يفكّران في قتله. لكنهما سرعان ما يجدان نفسيهما ومعهما قائدهما ومرتزقة بريطانيون تحت نيران العراقيّين الذين هم أقرب إلى الأشباح منهم إلى البشر.
فيلم بيغلو يصوّر الأميركي بطلاً شجاعاً وذكيّاً، وذا وجه طفولي، وخصوصاً وليم جيمس، بينما يُحرَم «العدو» الصوت والوجه، فإذا به قاتل صامت خفيّ، يردي ضحاياه من أبطال الحرية والديموقراطية. وحدها امرأة عراقية تواجه قائد الوحدة حين يدخل بيتها شاهراً مسدسه. تطرده بغضب قائلةً بعربية لا يفهمها «اخرج من هنا. ألا يكفي ما فعلتموه بنا؟». إلّا أنّ جيمس لا يهتم، فهو يعرف أنّ «الحرب إدمان»، ولا يرى ما يستحق العيش في حياته الأميركية، بواجباتها البيتية من تنظيف وتسوّق، مع مطلّقته، التي ما زالت تعيش في منزله مع طفلهما. هكذا بعد أن يعود زميلاه إلى بلدهما، يزور هو عائلته لأيام ثم سرعان ما يعود إلى العراق.
«خزانة الألم» فيلم ممتاز كتابةً وتمثيلاً وإخراجاً. استطاعت بيغلو أن تنقل، ليس فقط أجواء المعركة عبر التصوير الممتاز الذي قام به باري آكرويد، بل أيضاً صورة حقيقية عن مسرح الأحداث عبر تصوير في الأردن، وسط أحياء فقيرة مهملة تقع على تخوم الصحراء.
ويظل «خزانة الألم» فيلم المفارقات: كاثرين بيغلو هي زوجة جيمس كاميرون السابقة، تنافسا على «أوسكار» أفضل فيلم وأفضل إخراج، وكانت هي الفائزة في فيلم يذكِّر بشريط أوليفر ستون «بلاتون» (1986) الذي يصوِّر وحشيّة الحرب. المفارقة الثانية أنّ بيغلو وكاميرون قدّما القصة نفسها، لكن من منظورين مختلفين. صوَّر كاميرون مغامرات أميركا الحربية على كوكب «باندورا»، وقدّمت بيغلو مغامرات أميركا على أرض العراق. هي تبنّت الخطاب الأميركي، وهو حاول أن يدينه بفولكلوريّة هوليوديّة. لكنّ المحصلة واحدة، فأميركا لا يتغيّر سلوكها، إنّها واحدة كما في السماء كذلك على الأرض. إمبراطورية يقظة حريصة على مصادر الثروة في الكون، تسعى إلى نهبها بحجّة نشر الحرية... وجنود لا يشعرون بأنّهم أحياء إلّا حين يَقتلون أو يُقتلون: جنود حياتهم في رمية نرد كما تقول إحدى شخصيّات بيغلو، أو في لعبة روليت روسي بمسدِّس كما في «صائد الغزلان».

Hurt Locker: «لاس ساليناس» (06/540970)، «غراند سينما ABC» (01/209109)، «غراند كونكورد» (01/343143) ـــــ Avatar: «سينما سيتي» (01/899993)


في سبيل الإمبراطورية

من يذكر فيلم دايفد لينش «كثبان» (١٩٨٤) المقتبس عن رواية بالعنوان نفسه (Dune) تدور أحداثها في مجرّة بعيدة وفي المستقبل البعيد في عام ١٠١٩١؟ في تلك المجرّة، هناك كوكب صحراوي غنيّ بمادة مهمّة تدفع القوى العظمى إلى امتلاكها عبر السيطرة على الكوكب. فيما أهل ذلك الكوكب ينتظرون ظهور مخلّصهم الذي سيقودهم في حرب مقدسة ضد إمبراطورية الشر. رواية كاتب الخيال العلمي الأميركي فرانك هيربرت، تعود إلى عام ١٩٦٥. لقد استشرف الأخير، قبل 45 عاماً، ما سيحصل في العراق والمنطقة العربية. في الرواية، هناك فدائيون يسميّهم الكاتب «فدايكين». أمّا أحداث الرواية، فتدور على كوكب اسمه... ايراكوس. أميركا في إيراكوس، وأميركا في «باندورا» وأميركا في العراق هي نفسها. وكاثرين بيغلو ليست سوى شاهد يُدلي بشهادة صادقة عن أرض صارت مخزناً للألم باسم الحرية وفي سبيل الإمبراطورية!