لم تعد عودة الأساتذة إلى ثانوياتهم الحلّ ليتنفس طلاب شهادة الثانوية العامة الصعداء، فيستكملون عامهم الدراسي ويعدّون أنفسهم للدخول إلى الجامعة. معظم الطلاب المنتسبين إلى الثانويات الرسمية في قرى مرجعيون، إن لم نقل جميعهم، هم من الفقراء وغير القادرين على الانتساب إلى الجامعات الخاصة. أما الجامعة اللبنانية، ملاذهم الوحيد، ففروعها بعيدة، والمقيمون في المناطق النائية غير قادرين على تأمين بدلات الانتقال إليها، الأمر الذي بات يؤثر سلباً على حماسة طلاب الشهادة الثانوية لخوض الامتحانات الرسمية. محمد أحدهم، قرّر أخيراً التوقف عن دراسة ما يتوجب عليه لاستكمال عامه الدراسي وخوض الامتحان الرسمي. يقول "لا داعي للتعب، فوالدي يتقاضى أجراً لا يزيد على 10 ملايين ليرة شهرياً، بينما كلفة الانتقال إلى أقرب فرع للجامعة اللبنانية في النبطية هي 800 ألف ليرة يومياً، ما يعني أنه يستحيل عليّ وعلى العديد من زملائي الدراسة في جامعة الفقراء". أما زينب فتبدو مقتنعة بأنّ ما يتوجب عليها "إنهاء العام الدراسي الحالي، وصرف النظر عن التفكير بالاختصاص الجامعي بسبب عدم إمكانية تأمين كلفة الانتقال إلى الجامعة، خصوصاً أن كلفة السكن في النبطية أو بيروت مرتفعة جداً نسبة إلى أوضاعنا الاقتصادية". ولا يُخفي أحمد حسين أنه قرّر حرمان ابنتيه المسجلتين في الجامعة اللبنانية من الذهاب بشكل منتظم إلى جامعتهم، "خفضت دوامهما الأسبوعي من 4 أيام إلى يومين، كي أتمكّن من تأمين بدل النقل الذي كان يزيد عن 200 دولار شهرياً، وهو الأجر الذي أحصل عليه مقابل عملي". يتعجّب حسين من "عدم التفات أي من المعنيين في الدولة إلى حاجة الطلاب الملحّة إلى تأمين وسائل للنقل العام تخفف عليهم كلفة الانتقال إلى الجامعة، وتمنعهم من ترك جامعاتهم، وتحفزهم على القيام بواجباتهم المدرسية بشكل جيد للالتحاق بالجامعات واختيار الاختصاصات التي يطمحون إليها، في الوقت الذي يتخذ فيه هؤلاء المعنيون قرارات بالجملة لدعم رجال المال، وإنفاق المليارات على المحسوبيات، منها تأمين أسعار خاصة بالدولار من عمليات صيرفة التي يستفيد منها المتمولون، وتلك التي تُدفع علناً للجان الامتحانات الرسمية".
وتشير الطالبة مريم قوصان إلى أنه "قبل الأزمة الاقتصادية كان أقربائي يعانون من عدم وجود الكثير من الاختصاصات التعليمية في فروع الجامعات في النبطية وصور وغيرها، فيضطرون إلى اختيار اختصاصات لا يرغبون بها. أما نحن اليوم فبتنا محرومين من اختيار أي اختصاص نرغب أو لا نرغب به، حتى الانتساب إلى المعاهد والمهنيات الرسمية أو الخاصة بات بعيد المنال، رغم عدم رغبتنا به، فمعهد بنت جبيل الفني الرسمي يبعد عن بلدتنا دير سريان أكثر من 20 كلم، وكلفة النقل اليومي إليه تزيد على 5 دولارات، وهو أمر لا نقدر عليه". ويؤكد عدد من المعلمين في معهد بنت جبيل الفني أن "مشكلة عدم التعليم اليوم في المعهد وفي معهد التحرير في السلطانية، أي المعهدين الرسميين الموجودين في بنت جبيل ومرجعيون، لم تعد متعلّقة بإضراب المعلمين، الذين عاد معظمهم إلى التعليم، بل بعودة الطلاب لأن معظمهم يقيمون في