كلّ الوعود التي رفعتها «النقابة تنتفض» عندما خاضت معركة إيصال عارف ياسين إلى منصب نقيب المهندسين بأكثريّة ساحقة في وجه أحزاب المنظومة السياسية - الاقتصاديّة، تحولت إلى شعاراتٍ لم يتمكّن مجلس النقابة من تحويلها إلى واقع.فعلياً، ساكَن المجلس أحزاب السلطة و«لعب» وفق قواعدها في كثير من الملفّات، تماماً كما «ساير» المنظومة وخضع لابتزاز مصارفها من دون أن يتجرأ على مواجهتها أو «توجيعها».
هكذا، تحوّل مجلس راهن كثيرون على أنّه قادر على كسر الصورة النمطيّة لإذعان نقابات المهن الحرّة إلى ما يُشبه المنظومة التي يُحاربها. فريق ياسين، الذي خاض معركة سابقةٍ ضد شركة التأمين «GMI» التي تُدير منذ سنوات صندوق التقديمات الاستشفائيّة التعاضدي، «رفع العشرة» عندما لم تتقدم شركة للمناقصة المفتوحة، وتحوّل العقد معها إلى ما يُشبه «الاتفاق بالتراضي».
هذا ما حصل أيضاً مع الشركة التي تتولّى صيانة مقر النقابة التي يؤكد بعض المهندسين أنّها تولّت مهمّتها بفعل علاقات الصداقة مع شركة «أتاليان» الهندسيّة، التي يأخذ عليها هؤلاء إهمال المقر وحديقته والأعطال الكثيرة التي تطرأ على مولدات الكهرباء، فيما تعاقد المجلس معها للمرة الثالثة مقابل 400 ألف دولار سنوياً (مجموع كلفة كل عقود الصيانة هي 560 ألف دولار). أما المجالس السابقة، فكانت تعمد إلى التعاقد مع كل شركة صيانة على حدة (شركة صيانة للحديقة، شركة صيانة للمولدات...).
هذه بعض الملاحظات على المجلس الذي تحوّل إلى شبيهٍ للمجالس المتعاقبة على نقابة المهندسين، من دون أن تغيّر الشعارات التي رُفعت سابقاً شيئاً من الواقع؛ وفي غياب رؤية مستقبليّة بدلاً من عمليّة التكيّف مع الواقع والأزمة الاقتصاديّة.

«شطب» المدخرات
بعض أعضاء المجلس المحسوبين على ياسين يذكّرون بادّعاء النقيب على مديري فروع «فرنسبنك» و«لبنان المهجر» للاستحصال على مدّخرات النقابة في المصرفين، فيما يقول مُعارضوه إنّها «كانت خطوة عشوائيّة من دون خطة مبرمجة أو إيقاعٍ تصاعدي»، بل على العكس من ذلك، انتهج مجلس النقابة خطّة للتكيّف مع المرحلة والاستسلام لفكرة أن أموال النقابة التي تم ادخارها على مدى أكثر من 60 عاماً قد «طارت». هذا ما تشير اليه الطريقة التي تمّت فيها صياغة فذلكة موازنة 2023؛ إذ شطبت المدخرات ورُميت أعباء العجز على كاهل المهندسين بغض النظر عن أوضاعهم، فبلغت قيمة الاشتراك السنوي نحو 400 دولار. وبدل أن تُعامل النقابة مهندسيها على الطريقة التعاضدية سواسية، عزّزت الفروقات الاجتماعيّة عبر إعطاء كلّ منتسبٍ خيار الاشتراك في التغطية الصحيّة التي صارت على درجتين: AA لمن يفضل أن تغطي التقديمات الصحيّة المستشفيات التي تُعد درجة أولى وAB لمن يكتفي بالدرجة الأولى في المستشفيات العاديّة.
وبالتالي، صارت «موازنة الحد الأدنى» عبارة عن دراسة للعجز الحاصل بين ميزان المداخيل والمدفوعات، ليتم «تركيبه» على «أكتاف» المهندسين؛ تُشبه هذه الموازنة في مضمونها ذهنيّة المنظومة الحاكمة التي تبحث عن زيادة مداخيلها عبر «سحق» الفئات الأكثر فقراً لتزيدهم تهميشاً، بدلاً من البحث عن مداخيل من جيوب المستفيدين من النّظام.
هذا فعلياً ما حصل عندما وافق معظم أعضاء مجلس النقابة على أن يكون المهندسون المتقاعدون هم «كبش الفداء» في الموازنة الجديدة، بعد إقرار الراتب التقاعدي بما لا يزيد على 165 دولاراً، مقارنة بـ 900 دولار قبل الأزمة النقديّة. بذلك، ضرب مجلس النقابة بمفهوم الصندوق عرض الحائط. ففيما يُراد له أن يكون قائماً على فكرة التكافل بين الفئات الشابة التي يُمكنها مُساندة الفئات العاجزة، تماماً كما يحصل مع التقديمات الاستشفائيّة، إذ إن أكثر من 65% يدفعون قيمة التغطية الاستشفائيّة التي يحتاجها غيرهم، صاروا هم الضحيّة.
مفهوم التكافل والتعاضد هشّمته نقابة المهندسين، فيما يُردّد البعض أنّه كان بإمكانها أن تخوض مواجهة مع المصارف بجنود هم المهندسون المتقاعدون بدلاً من أن يخوض هؤلاء المعركة اليوم ضدّها.