باشرت المصلحة الوطنية لنهر الليطاني، الأسبوع الفائت، متابعة تنفيذ الحكم الرقم 7043/2018 الصادر عن القاضي المنفرد الجزائي في زحلة محمد شرف بتاريخ 5/9/2019 بحق كل من ن. ق. وشركة «ق. ش.» من البند الرابع في الفقرة الحكمية. ويقضي بإلزام المدعى عليهما، سنداً لقانون المياه، بتنظيف مجرى نهر الليطاني في المنطقة الموازية لمعملهما وبمسافة كيلومترين (2 كلم) باتجاه الجنوب. وبأن يزرعا على ضفّتَي النهر في المنطقة عينها ثلاثة آلاف غرسة من أشجار الصنوبر، وألف نبتة من قصب السكر على طول 300 متر من المنطقة الممتدة من معمل الشركة وصولاً إلى نهر الليطاني. وكانت المصلحة الوطنية لنهر الليطاني قد ادّعت على الشركة أعلاها بجرم تلويث نهر الليطاني وقد جرى إلزامها باستكمال مقتضيات الالتزام البيئي وبإصلاح الوسط المائي. ما أهمية الأحكام الصادرة بحق الملوّثين لنهر الليطاني؟ وما هو حدود صلاحيات المصلحة الوطنية لنهر الليطاني في الادّعاء على المؤسسات الصناعية ومقاضاتها؟ وما هو الإطار القانوني الذي يحدّد طبيعة الجرائم المرتكبة على الموارد المائية في لبنان؟ يجيب عن هذه التساؤلات المدير العام للمصلحة الوطنية لنهر الليطاني سامي علوية


ما أهمية الأحكام الصادرة بحق الملوِّثين لنهر الليطاني؟
تأتي هذه الأحكام القضائية بعدما أصبحت المصلحة الوطنية لنهر الليطاني مختصّة وصاحبة صلاحية في مداعاة ومقاضاة كل ملوِّثي النهر، وخصوصاً المؤسسات الصناعية. ولهذه الأحكام أهمية كبرى على المستويَين البيئي والقانوني.
نطبق في مصلحة الليطاني قانون المياه، وهناك تقصير من وزارة العدل وغيرها، لأنها لم تبادر إلى تلقّف القانون لجهة تنظيم عمل مؤسسات المياه ووزارة الطاقة كضابطة عدلية تسطّر المحاضر، إلى جانب غياب دورها في المجال التدريبي لِما يسمّى بالجهاز القضائي والجهاز الأمني المولج بملاحقة الجرائم المائية. هذا الأمر يذكّرنا بمحاولات الحدّ من تطبيق قانون البيئة وعرقلة ما يُسمّى إنشاء «الضابطة البيئية».

ما هي القوانين في ما يتعلق بالتلوّث المائي؟ وما هي صلاحيات المصلحة الوطنية لنهر الليطاني؟
قبل عام 2018، لم تعدّ المصلحة الوطنية نفسها، ولا القضاء ولا حتى جهات الإدارة، أنها مختصة بتطبيق القوانين. لكن بعد صدور قانون المياه الرقم 77 بتاريخ 13/4/2018، والتعديل الذي أجريَ عليه، بموجب قانون رقم 192 بتاريخ 16/10/2020. أُضيف إلى مهام المصلحة كمؤسسة عامة استثمارية للمياه، اختصاص ملاحقة ملوّثي النهر وحماية المياه.
وأصبحت الأحكام الصادرة عن القاضي المنفرد الجزائي بملاحقة الجرائم المنصوص عنها في قانون المياه، ذات طبيعة خاصة ولا يحقّ للاستئناف إيقاف تنفيذها. فإذا تقدمت المؤسسات الصناعية باستئناف أمام محكمة الجنح لن يوقف التنفيذ، باعتبار أنها أحكام ذات نفاذ معجّل.
بناءً على ذلك، بادرت المصلحة إلى تنفيذ الأحكام القضائية التي صدرت بموجب قانون المياه الجديد، والأحكام القضائية التي صدرت بموجب قانون المياه قبل تعديله، والتي لم تستأنف وأُيّدَت من محكمة الاستئناف لجهة متابعة ومراقبة المؤسسات الصناعية وإلزامها بالإلزامات المدنية المتعلقة والتدابير الاحترازية، لجهة المراقبة وزرع الأشجار على ضفاف النهر.

ماذا عن مفهوم الجريمة المائية الذي كرّسه قانون المياه؟
بتنا نعلم، ولأول مرة، ماهية الجريمة المائية. هي أيّ تعدٍّ على أنظمة المياه والموارد المائية، وكانت معروفة منذ زمن قانون الريّ العثماني والأنظمة التي كانت مطبّقة في مجلة الأحكام العدلية، ولكن لم تكن معرّفة، ثم بعد ذلك في القرارات الصادرة عن المندوب السامي الفرنسي. إلى أن أصبحنا حالياً أمام تطبيق فعليّ لقانون المياه، الذي يحدّد الجريمة البيئية وآليات ملاحقتها.

ماذا عن تفاصيل الادّعاء على المؤسسات الصناعية من قِبل المصلحة الوطنية لنهر الليطاني؟
تقدّمت المصلحة بإخبار شمل 93 مؤسسة صناعية عامة تلوّث النهر، وتم الادّعاء عليها. جرى الاستحصال على 39 حكماً قضائياً، وتُشرف على هذه الأحكام المحكمة التي عملت على تعيين خبير لتحديد مدى وجود جرم، ومدى وجود تلويث، إذ تتركز مهمة الخبير على تحديد وتصويب سبل معالجة هذا الصرف الصناعي باختلاف المياه المصرّفة والنشاط، إلى جانب التأكد من حسن تركيبه وأخذ العيّنات لضمان تشغيله.
لو لم يكن هناك فساد في وزارتَي الصناعة والبيئة لَما أُعطيَت تراخيص لمؤسسات صناعية لا تستوفي الشروط البيئية ولم تكن هذه الإشكالية قائمة


علماً أن الإلزامات المدنية ورفع التلوّث كانا يُسبقان بصدور الحكم تحت إشراف المحكمة وخبراء من المحاكم، إذ يتابع الخبير كل مؤسسة صناعية صدر بحقها حكم أو تحت قيد الملاحقة، إلى حين صدور الحكم.
وتتعلق الأحكام الصادرة، بالتعويضات الشخصية للمصلحة، والالتزامات المدنية، وتأهيل الوسط البيئي، والتدابير الاحترازية لجهة إلزام المؤسسات بالخضوع إلى الرقابة.
أي، باختصار، إن الخشية من عدم تنفيذ الأحكام لا تشكل خطراً لجهة تركيب المحطة أو عدمها، لأن القضاء كان قد أصدر قرارات بتكليف خبراء فنّيين. وبالفعل صدرت تقارير الخبراء الفنّيين لمباشرة المؤسسات المدعى عليها بتركيب محطات تكرير تحت إشراف الخبراء المعيّنين من المحاكم التي أصدرت هذه القرارات.

ما هي الأسباب بالأرقام التي أدّت إلى تلوث نهر الليطاني؟
يُعدّ الصرف الصحي أحد أهم الأسباب الملوّثة لنهر الليطاني، إذ يتدفق الصرف الصحي غير المعالج من 69 بلدة بكمية 50 مليون متر مكعّب في النهر. يضاف إليه، التلوّث الناجم عن الصرف الصناعي من مئات المؤسسات الصناعية غير المرخّصة بمعظمها، والتي تقدّر كميته بحوالي 4 ملايين متر مكعّب. أما التلوّث الثالث، فهو ناجم عن التسرّب الزراعي، أي استعمال الأسمدة بشكل جائر، ما تسبّب باجتياح «السيانوبكتيريا» لبحيرة القرعون. وهناك سبب إضافي استجدّ منذ عام 2011، إثر وضع مخيّمات النازحين على ضفاف النهر، والتي تضمّ أكثر من 100 ألف نازح يحوّلون حوالي 2 مليون متر مكعّب من الصرف الصحي في النهر.
هذه الأسباب مجتمعة، يفاقمها غياب الحوكمة وسوء إدارة الموارد المائية وتشابك الصلاحيات وغياب اللا مركزية المرفقية. إلى جانب تعثّر وزارة الطاقة ومجلس الإنماء والإعمار في تنفيذ مشاريع الصرف الصحي الرامية إلى إنشاء محطات تكرير داخل محطات المعالجة في الحوض الأعلى وهي التالية: إيعات، الفرزل، أبلح، زحلة وضواحيها، شرقي زحلة، جب جنين، صغبين، عيتنيت، المرج وتمنين.
علماً أن هناك ثلاث محطات قيد التحضير، تأخّر تنفيذها لسنوات. كما تعمل سبعُ محطات أخرى قائمة، لكن ليس بالقدرة والفعالية المطلوبتين، ويعود ذلك إلى عدم اكتمال شبكات الصرف الصحي التابعة لها.
(راجع «الأخبار»، 6 نيسان 2021، بيانات «الإنماء والإعمار» تدينه: تعثّر ومليارات ضائعة).

ماذا بعد صدور الأحكام؟ هل هناك شركات بادرت إلى تحسين وضعها وبالتالي إنشاء محطات تكرير ومعالجة الصرف الصحي؟
هناك شركات أصبحت مستوفية مقتضيات الالتزام البيئي لجهة تركيب المحطة. ويرتبط أمر مخالفتها من عدمه بتشغيل المحطة. فلقد انتقلنا من مشكلة عدم وجود محطة إلى مشكلة وجوب تشغيل هذه المحطة، ووجوب فاعليّة محطة الصرف الصحي، وهذا ما يستوجب الرقابة. علماً أن جهة الاختصاص هي وزارة البيئة ووزارة الصناعة.
أما في ما يتعلق بمصلحة الليطاني، فتستمد اختصاصها من قانون المياه من جهة، ومن منطوق الأحكام القضائية وفقراتها الحكمية من جهة أخرى.

ما هي المعوّقات التي تحول دون رفع التلوّث عن نهر الليطاني؟
%90 من التمويل المرصود لرفع التلوّث عن نهر الليطاني مخصّص لإقامة محطات وشبكات صرف صحي، لم يُنفّذ منه إلا 7% من المشاريع لتبقى 80% من مياه الصرف الصحي غير معالجة. والمشكلة أن تداعيات التلوّث أدّت إلى انتشار الأمراض وتلوّث الغذاء، وتسببت في هدر أكثر من 300 مليون متر مكعّب من المياه سنوياً بفعل التلوّث وتعطّل مشاريع الريّ في البقاع. وبحسب المعنيين والخبراء فإن أكثر من 1000 هكتار من الأراضي الزراعية في البقاع تُروى حالياً من نهر الليطاني والروافد مباشرة، أي من مياه ملوّثة بالصرف الصحي بنسب متفاوتة.

إذا كان قانون المياه موجوداً، ما الذي يمنع تطبيقه والحدّ من التلوّث الحاصل في نهر الليطاني؟
ساهم القانون بإصدار أحكام بحقّ الملوّثين، وتُعدّ أحكاماً مهمة جداً، وبادرة أمل تؤكد أن الخسارة ليست محصورة بأموال المودعين وبالفساد والهدر، إنما تتعلق أيضاً بالتعدّي على الموارد الطبيعية ومن أبرزها المياه.
تؤكد غالبية الدراسات أن نوعية المياه مرتبطة بمستوى الشفافية والمساءلة والمشاركة في إدارة الموارد المائية، فكلما ارتفعت مستويات الشفافية ارتفعت نوعية المياه. والدليل أنه لو لم يكن هناك فساد في وزارتَي الصناعة والبيئة، لَما أعطيَت تراخيص لمؤسسات صناعية لا تستوفي الشروط البيئية، ولم تكن هذه الإشكالية قائمة. وكذلك في ما يتعلق بالمحافظات التي تغيب فيها ملكة التسيّب «البلديات» عن القيام بدورها في منع التعدّيات وملاحقتها.