أصدر ديوان المحاسبة أمس 6 قرارات قضائية مؤقّتة بتهمة هدر المال العام بحق وزراء الاتصالات السابقين نقولا الصحناوي وبطرس حرب وجمال الجراح ومحمد شقير وطلال حواط والحالي جوني القرم، بناء على خلاصات تقرير رئيس الغرفة الثانية في الديوان القاضي عبد الرضا ناصر (25 نيسان الماضي)، حول مسؤولية هؤلاء عن خسارة خزينة الدولة أكثر من 110 ملايين دولار مرشّحة للارتفاع في ملفّ استئجار وزارة الاتصالات مبنى قصابيان واستئجارها ثم شرائها مبنى «تاتش» في منطقة الباشورة.وبعد التقرير، فتح ناصر ملفاً قضائياً داخل الديوان، واستكمل التحقيقات، وقرّر توجيه الاتهام إلى الوزراء عبر قرارات قضائية، مخرجاً ملف المبنيين من إطار تقرير لا مفاعيل قانونية له إذا لم تتحرك النيابات العامة على ضوئه - وهي لا تتحرّك عادة - وإدراجه في إطار ملف قضائي يحاكمهم هو على أساسه، بصفته محكمة إدارية تتولى القضاء المالي.
ويحقّ للوزراء الستة، ضمن مهلة 60 يوماً من تبلّغهم، الدفاع عن أنفسهم أمام الغرفة الثانية قبل أن يُصدِر الديوان قراراته القضائية النهائية عملاً بالمادة 60 من قانون تنظيمه، والتي تسمح له بفرض غرامات مالية على الوزراء (إصدار سندات تحصيل) يسددونها من مالهم الخاص، بقيمة ما ساهموا بهدره من المال العام، كما يمكنه حجز أجزاء من رواتب الوزراء (من 3 إلى 12 شهراً). ويمكن للمدعى عليهم الطعن فقط أمام مجلس شورى الدولة، وفي حال رفض الأخير يكون الوزير ملزماً بدفع الغرامات، بما أن قرارات «الشورى» لا يمكن نقضها أمام أي جهة.
وقد جرت العادة أن يتذرّع الوزراء بالمادة 70 من الدستور التي تنص على أنّ «محاكمة الوزراء تتمّ أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء» التي يؤلّفها مجلس النواب.
لديوان المحاسبة تغريم الوزراء بتسديد ما أهدروه من المال العام من مالهم الخاص

ففي عام 2020، مثلاً، قدّم وزير الأشغال السابق محمد الصفدي طعناً أمام مجلس شورى الدولة في قرار صادر عن ديوان المحاسبة يغرّمه بمبلغ مليون ونصف مليون ليرة وراتب ثلاثة أشهر، بسبب مخالفات في ملف تلزيم مشروع جسور في منطقة البحصاص في طرابلس. واستند الصفدي إلى هذه المادة، ليخلص إلى أن «رقابة الديوان تطاول فقط الموظفين لا الوزراء». وقبل أسبوعين، رد «الشورى» طعن الصفدي، ورفض ما سمّاه «التفسير التعسفي» للمادة 70، معتبراً أن «قانون المحاسبة العمومية منح الديوان رقابة مطلقة تشمل الوزراء كما الموظفين... وجعل الوزير مسؤولاً شخصيّاً على أمواله الخاصة وعن كل نفقة يعقدها فيها تجاوز...».
هذا القرار «أسقط» حصانات الوزراء أمام ديوان المحاسبة، بما يمكّنه من محاكمتهم «للمرة الأولى في تاريخ هذا البلد» بحسب المتخصّص في القانون الدستوري وسام اللحام. وتكمن أهميته في توقيته، إذ سبق بأيامٍ فقط القرارات التي صدرت أمس في حق الوزراء الستة «الذين سيرد الشورى حكماً أي طعنٍ يقدّمونه إذا كان مضمونه رفضهم المحاكمة أمام الديوان».
بذلك، يفتح «الشورى» الباب على مرحلةٍ جديدة من محاسبة الوزراء بدل أن تبقى رهن هيئة سياسية يؤلّفها مجلس النواب الممثل لأحزاب الوزراء أنفسهم، لتبقى العين على المدى الذي سيبلغه الديوان في الغرامات التي سيفرضها في قراراته القضائية النهائية وما إذا كان سيخضع لتدخلات سياسية في المرحلة الأخيرة من الملف.



القرارات القضائية بحق الوزراء
- اتهّم الوزير نقولا الصحناوي بمخالفة القانون وهدر المال العام بإبرامه عقداً رضائياً لاستئجار مبنى قصابيان لمصلحة شركة «تاتش»، أدى لاحقاً إلى إهدار أكثر من 10 ملايين دولار، فضلاً عن التسبب في دعاوى لا تزال عالقة تصل قيمتها إلى 30 مليون دولار قد تخسرها الخزينة.
- اتّهم الوزير بطرس حرب بعدم اتخاذ أي إجراء لاسترداد مال عام مهدور في قضية مبنى قصابيان.
- اتهم الوزير جمال الجراح بتكبيد الخزينة بدل إيجارات باهظة بموافقته على عقود إيجار بأسعار أعلى من أسعار السوق بـ11.5% بالحد الأدنى، في قضية مبنى «تاتش»، إضافة إلى تضمّن العقود مواصفات غير صحيحة.
- اتهم الوزير محمد شقير بهدر المال العام بإبرامه صفقة مريبة لشراء مبنى «تاتش». وعدم وضع إشارة عقد بيع في السجلات العقارية، وتعريض ملكية الدولة في العقار للضياع.
- اتّهم الوزيران طلال الحواط وجوني القرم بالإهمال والمساهمة في ضياع ملكية الدولة لمبنى «تاتش» لعدم سعيهما إلى وضع إشارة عقد البيع على الصحيفة العقارية للمبنى، وبزيادة خسائر الدولة بسبب إهمالهما تسديد باقي ثمن المبنى وغرامات التأخير التي تتراكم لغاية اليوم.