طوال الفترة السابقة، صبّت رهانات حلفاء واشنطن والرياض في بيروت على دور سعودي مُعرقِل لوصول رئيس تيار المردة سليمان فرنجية إلى بعبدا. ولكن، بعد تبلّغ هؤلاء بـ «الموقف الرسمي» السعودي الذي نقله السفير وليد البخاري، بدوا أكثر إرباكاً، وإن كان بعضهم سمع من الأخير كلاماً فيه تحريض غير مباشر، من قبيل تكراره أن «الأمر بيدكم، وإذا نجحتم في تعطيل وصول فرنجية، لن نعارض ما تقومون به».غير أن هذا الإرباك، معطوفاً على شعور أميركي بفشل الدول التي اعتقدوا أن بإمكانها منع وصول فرنجية، دفعا واشنطن، على ما يبدو، للعودة إلى الدخول مباشرة في اللعبة. وتؤكد مصادر على صلة بالحركة الديبلوماسية الأميركية الدائرة حول لبنان وجود «تبدّل في الخطاب والسقف الذي عبرت عنه سابقاً السفيرة الأميركية في بيروت دوروثي شيا ومساعدة وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى باربرا ليف». وتشير المصادر إلى أن «هذه الأجواء بدأت تتظهر منذ أسبوعين. فبعد تأكيدات سابقة لشيا بأن بلادها لا تدعم أي اسم للرئاسة وستتعامل مع أي شخص ينتخب، سواء فرنجية أو غيره، باتت حالياً تنقل مواقف مغايرة بالتزامن مع معلومات عن تواصلها مع معارضي فرنجية لحثّهم على التوافق حول اسم مرشح في وجهه». كما نُقل عنها قولها أمام سياسيين إن «هناك فرصة لكسر فرنجية، والمعطيات تشير إلى أن المتمسكين به يرفعون سقفهم إعلامياً، لكنهم في الجلسات المغلقة يفتحون الباب أمام خيارات أخرى».
كما نُقل عن شيا أن ترشيح قائد الجيش العماد جوزيف عون «يحظى بموافقة غالبية القوى المعارضة لترشيح فرنجية»، وأن فكرة الوصول إلى تسوية قد تكون صعبة في حالة إصرار ثنائي أمل وحزب الله على رئيس المردة في مقابل تشدد الفريق الآخر بدعم قائد الجيش.
وتؤكد المصادر نفسها أن رئيس مجلس النواب نبيه بري وضِع في أجواء هذا التحوّل الأميركي، ونقل عنه زواره أن «الأميركيين بدأوا يتحركون»، وهو ما يتقاطع مع ما نقله نواب مسيحيون على تواصل مع الفريق الداعم لوصول فرنجية. التحوّل الأميركي تزامن مع حركة السفير البخاري، وتعزز مع استعادة سوريا لمقعدها في الجامعة العربية، والحديث عن خطوات تطبيعية قريبة بين الرياض ودمشق، ما دفع أوساطاً سياسية إلى الخروج بالانطباعات التالية:
أولاً، انتهاء فترة السماح التي منحتها واشنطن لباريس للتوصل إلى مرشح «توافقي» وضمان عدم وصول مرشّح فريق 8 آذار، بدليل أن ثمة ملامح لتدخل أميركي لدى قوى المعارضة (قوات، كتائب، «تغييريون» و«مستقلون») لحشدهم خلف مرشح للرئاسة مقابل فرنجية.
ثانياً، سعى الجانب الأميركي بداية إلى عدم الإيحاء بأن لا دور رئيسياً له في الملف الرئاسي، حتى لا يدفع فريق 8 آذار، وتحديداً حزب الله، إلى التشدد في دعم فرنجية. فكلف باريس إدارة الملف كونها قادرة على التفاوض مع الحزب. إلا أن الأجندة الفرنسية كانت مختلفة، إذ تمسكّ الفرنسيون بتسوية تتيح لهم تحقيق مكاسب في السياسة ويحافظ من خلالها على شعرة معاوية التي ربطتهم أخيراً مع حارة حريك، بل وسعَوا إلى إقناع المملكة العربية السعودية بالتسوية.
ثالثاً، تثير تطورات الإقليم قلق الأميركيين من أن تتحول فرصة لكسب الفريق المناوئ لهم في الصراع الرئاسي، من عودة سوريا إلى الجامعة العربية إلى الانفتاح السعودي على دمشق ما قد يمنح الأخيرة قدرة على إقناع الرياض بالتسوية في لبنان. وبذلك قد يكون الرهان على الموقف السعودي في وقف التسوية سقط، وهي إن لم تكن إيجابية في التعامل مع انتخاب فرنجية، إلا أن موقفها المحايد لن يدعم الفريق الآخر.
وأشارت مصادر مطلعة إلى أن القلق الأميركي ينبع من إبلاغ البخاري من التقاهم عدم وجود فيتو سعودي على فرنجية، ما قد يخفف الضغط عن عدد من الكتل النيابية، ومن بينها كتلة الاعتدال الوطني. وكان بارزاً أمس موقف النائب سجيع عطية، بعد اللقاء الذي جمع الكتلة بالبخاري، بأن المملكة «لا تضع فيتو على أي اسم، ما يعني أنها لا تضع فيتو على فرنجية». وعما إذا كان هذا الموقف رمادياً، قال «كيف يكون كذلك والمملكة أزالت الفيتو». والأمر نفسه قد ينسحب على رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط الذي ربما يبدّل موقفه ربطاً بالموقف السعودي.