قد يكون الخبر صحيحاً، وقد لا يكون. فالشائعات، كما غيرها من «إبداعات» الاجتماع اللبناني المُشين وإفرازاته المقزّزة، تحاصر الفضاءين العام والخاص. فتلاحق المناضلين والمناضلات، وترفع من شأن السافلين والسافلات.قد يكون الخبر صحيحاً، وقد لا يكون. ليس هذا مهماً. المهم هو تعرية الخبث الذي ينطوي عليه، وفضح مراميه التضليلية. فالمناضل طارق بادي، بخلاف الخبر ـ الإشاعة، في كامل وعيه وحيويّته. والتعب الذي يعلو ملامحه إن هو إلا تعب عابر ناجم عن فائض النضالات التي خاضها وثقل المهمات التي أدّاها... أما تعذّر الكلام، أو امتناعه عنه، فالأرجح أنه قرار آخر من قراراته التي عادة ما كانت تأخذ في اعتبارها معاناة البلاد العامة وموازين قواها وتبني عليها، هجوماً أو دفاعاً، إقداماً أو إحجاماً... وقد يكون، اليوم أيضاً، شأنه شأن مرات سابقة، قد اختار الصمت أو لاذ به. فطارق من المناضلين الذين يؤرقهم عجز البلاد وتردّيها. ومن الذين يدركون أن عجز البلاد من عجز «العباد»، ونتيجة حتمية له. لكن اللافت في صمت طارق، هذه المرة، ويبعث على بعض القلق من أن يطول - هذا، طبعاً، إن صحّ الخبر - أنه يأتي في ظروف عامة بالغة الصعوبة، تنعدم فيها البدائل، كل البدائل، بدءاً من هذه التي تتشدّق بـ«الجذرية»، وصولاً إلى تلك التي تلهج بـ«الإصلاحية» وما بينهما من فقاعات «تغييرية» لا لون لها ولا طعم. وفي معرض الحديث عن البدائل، لا حاجة، طبعاً، لذكر حال «البديل الثوري» المزعوم وواقعه. فهذا البديل الذي سبق لطارق ولكثر غيره أن صدّقوا أطروحاته، وراهنوا عليها، واشتغلوا لها، ما فتئ يعلن، يوماً بعد آخر، تحلّله منها، وانقلابه عليها، وخيانته لها لحساب أطروحات «تجديدية» أقل ما يقال فيها إنها مضادة.
قد يكون الخبر صحيحاً، وقد لا يكون. إلا أن الأكيد أن طارق، كما غيره من الرجال الذين ساهموا في صنع المجد اللبناني الحقيقي من خلال المقاومة المستمرة تنظيماً بعد تنظيم، وفصيلاً بعد فصيل، ما كان ليصمت لو لم يطمئن بما فيه الكفاية إلى حقيقة المقاومة الاستثنائية التي تتولاها نخبة لبنانية وعربية غير مسبوقة. فالرجل الذي أمضى قسطاً معتبراً من حياته مناضلاً على محاور القتال العسكري، ومتاريس المواجهة الاجتماعية والنقابية من أقصى جنوب «الوطن» إلى أبعد نقطة في شماله، وحلم بالقتال إلى جانب أحرار العالم من فيتنام إلى الجزائر إلى أميركا اللاتينية، وانتصر لقضاياهم، ما تعوّد إلا الفعل الحيّ. وهو الفعل الوحيد الذي يمكنه أن يترك أثراً يصعب محوه على غرار فعل التحريرين الأول والثاني، وغيرهما من الأفعال النضالية التي أسّست ومهّدت لهما.
طارق بادي ليس شخصاً وحسب، إنه أكثر من ذلك. إنه هويّة جيل «ما غادر الميدان» و«لم يتعب ولم يذهب». والأرجح أن صمته تعبير عن اطمئنان عميق بِغدٍ مختلف تعكف بنادق المقاومة في لبنان وفلسطين... على صنعه. وهو أيضاً تعبير يتجاوزه لينطق بلسان جيل لم يهادن، ولم يتراجع، ولم يساوم، ولم يغيّر أو يبدّل بالرغم من الإغراءات والمغريات التي لا تتوقف.
ملحوظة لا بدّ منها: قد يخطر لأحدهم، وبدافع من صحوة مارقة، أن يسأل الأمين العام لـ«البديل الثوري» التواصل مع طارق أو زيارته، سواء للوقوف على حاله أو لشدّ الأزر. لهذا، الذي يمكن أن يكون ضحية الصحوة، ألا يكلف نفسه عناء السؤال ولا حتى المحاولة، فلدى «الأمين العام» أجندة تمنعه من هدر الوقت، أو تبديده، في ما لا فائدة منه ولا أمل. فضلاً عن حقيقة أن لا طارق سيرحّب، ولا «الأمين العام» المزعوم سيجرؤ. ثم إن أولوية الأجندة اليوم معقودة لمهمة الدفاع عن «الحريات العامة»، وهي الحريات التي مُسخت إلى حدّ صار عنوانها كما مضمونها يُختصَر بالدفاع عن حريات مرتزقة ما يسمّى «منظمات المجتمع المدني». كما أن هناك مانعاً أخيراً، وهو أن لا معرفة، لا شخصية ولا سياسية ولا قيمية، بين الاثنين. لذا، وجب التوضيح وأخذ العلم توفيراً للوقت وحفظاً للطاقات المهدّدة بألّا تتجدد.
طارق بادي، تحية لك، ولصمتك المدوّي.