منذ فترة، يُسجل تراجع لافت لنشاط مفتي الجمهوريّة الشيخ عبد اللطيف دريان، الذي يعاني من متاعب صحية بسبب ارتفاع معدّل السكّر، وبعد نصيحة الأطباء له بالراحة. لكن بعض «أهل البيت» يتهمون المفتي بـ«التواري» و«التهرّب» من مسؤوليّة إيجاد حل لتآكل رواتب القضاة الشرعيين والموظفين والمشايخ جراء الأزمة الاقتصاديّة وعدم اتخاذه إجراءات تحدّ من هذا التدهور. ويسأل هؤلاء عما إذا كانت المتاعب الصحية لا تشمل رحلات «استجمام» إلى تركيا التي يزورها دريان باستمرار والتي تملّك فيها منزلاً لتقاعده.«أهل الدار» ينفون الاتهامات بـ«التواري» ويؤكدون أن تراجع نشاط المفتي مردّه إلى الوضع الصحي، وإن كان هذا الأخير «مستقراً». ويردّ هؤلاء على الاتهامات بأن المفتي «لم يتهرّب من أيّ مسؤولية» ولكن «العين بصيرة واليد قصيرة». اصطدمت محاولات زيادة مداخيل صندوق الزكاة وسد عجزه السنوي بعقبات كثيرة، بعدما كان اعتماد الصندوق على تبرّعات الرئيس سعد الحريري وبعض رجال الأعمال الذين خفّض معظمهم مساهماتهم. طرق دريان أبواب السعوديّة مراراً من دون أن ينجح في إعادة فتح «حنفيّتها»، وآخرها أثناء أدائه مناسك العمرة في شهر رمضان الماضي، لكنه عاد خالي الوفاض «لأنّ السعوديين عاتبون عليه لعدم تلبيتهم بمواقف متقدّمة ولاستمرار تدثّره بعباءة الحريري». وفي ظلّ إقفال الأبواب الخليجيّة في وجهه، اضطرت أوقاف بيروت التي لطالما نعمت ببحبوحة مالية، إلى الاستدانة من أوقاف صيدا لتسيير شؤونها، لا بل يتردد أن المبلغ «دوبَل» أخيراً.
لم يوفرّ دريان جهداً لرفع عائدات «عائشة بكار»، وعمل بنصيحة تحويل إيجارات الأوقاف إلى الدولار الفريش العام الماضي، إلا أنّ الوضع لم يتحسّن، «لأن لا إمكانيّة لتغيير عقود الإيجار القديمة وبسبب تراجع الطلب على الأوقاف غير المستأجرة وخصوصاً في وسط بيروت». لم يغيّر ذلك في واقع الحال. ذاب تحسين رواتب الجهاز الإداري مع استمرار ارتفاع سعر صرف الدولار، وزيادة بدل النقل للمشايخ وأئمة المساجد لم تحسّن أحوالهم مع الإبقاء على رواتبهم المنخفضة والتي لا تتعدّى الـ 3 ملايين ليرة، ما دفع كثيرين منهم إلى التوقف عن أداء مهامهم. القضاة الشرعيون لم يشملهم قرار تحسين الرواتب أسوةً بالقضاة العدليين، والأموال التي رُفد بها صندوق التعاضد الخاص بهم صُرفت على العجز اللاحق به منذ السنة الماضية.
عتب بعض القضاة على دريان كبير باعتباره رئيساً لمجلس القضاء الشرعي، ولأنه «فخّخ» سابقاً قرارهم بإنشاء وقفيّة خاصة بهم تؤمّن لهم آلية قانونيّة لجمع التبرّعات والهبات المحليّة والخارجيّة. ولولا «الدفشة» التي قام بها رئيس المحكمة السنيّة العليا الشيخ محمّد عسّاف لتسهيل دفع مساعدة قدّمتها «مؤسسة الوليد بن طلال» لهم لمرّة واحدة فقط (1500 دولار أميركي لكل قاضٍ) عبر تحويلها إلى حسابٍ مخصّص لهم عبر دار الفتوى، «لكنّا اليوم في أزمةٍ أكبر»، بحسب ما يقول أحدهم، مشيراً إلى أن المفتي «رفض تحديد مواعيد لاستقبالنا، ويتذرّع بوضعه الصحي ليمنعنا من زيارته، ويفترض به ألّا يوفّر جهداً بحثاً عن حلول تنتشل المؤسسات الدينيّة من أزمتها».
ينقل مشايخ وموظفون عن المفتي قوله لهم: استقيلوا إذا لم تعجبكم الرواتب


الأمر نفسه يقوله المشايخ وأئمّة المساجد وموظفون في الجهاز الديني ينقلون عن المفتي قوله لهم: «هذه رواتبنا. استقيلوا في حال لم تعجبكم، ولستُ أنا الذي أرفع الدولار». كما يحمّلونه مسؤوليّة توقّف «المكرمة» الإماراتيّة، إذ كان «بإمكانه استخدام علاقاته مع الإماراتيين لعدم توقيفها»، وهو أيضاً ما يعتبرونه سارياً على المُساعدة القطريّة التي كان يفترض أن تُعطى لأئمّة المساجد والمُساعدين بمعدل 150 دولاراً لكلّ منهم. وأسوأ «الروايات» تلك التي يردّدها عدد من المشايخ حول سوء إدارة توزيع المساعدة القطرية، ما ساهم في توقيفها، وأنّ «داتا» التوزيع «تبخّرت» بفعل حريقٍ شب في دار الفتوى السنة الماضية.