مقرّرات مجلس الوزراء الأخير، المفصلية للموظفين والأساتذة والمعلّمين والمتقاعدين المدنيين والعسكريين والمتعاقدين والأجراء، تضع مصير القطاع العام أمام مفترق خطر، وتعرّض كل العاملين فيه إلى استنزاف مدروس ومبرمج، كونها مبنية على سياسات لحس المبرد، ومجرد زيادة هزيلة ومؤقّتة ستستنزف سريعاً بعد ارتفاع سعر الصرف ما يؤدي إلى إلغاء مفاعيلها.صحيح إن الرواتب زيدت بما نسبته 6%، لكنها، في الواقع، بقيت فاقدة 90% من قيمتها عشية الأزمة في تشرين 2019. وفي قراءة مقرّرات مجلس الوزراء تتبين المعطيات التالية:
- يبدأ مفعول التعويض الاستثنائي المؤقت اعتباراً من نهاية أيار ، «ريثما تنجز الحكومة مشروعاً متكاملاً لتعديل الرواتب»، أي أن هذه الزيادات مؤقّتة.
- بموجب المادة 111 من موازنة 2022، تبقى المساعدتان الاجتماعيتان مستحقتين لجميع المستفيدين، ويضاف إليهما تعويض مؤقت، وأربعة رواتب لمن هم في الخدمة، وثلاثة للمتقاعدين، تحتسب على الشكل الآتي:
- للموظفين والأساتذة والمعلمين في الخدمة: 4 أضعاف الراتب (تعويض مؤقّت + مساعدتين اجتماعيتين)، أي يُضرب الراتب بسبعة مع حد أدنى للزيادة يبلغ 8 ملايين ليرة، وحد أقصى 50 مليوناً.
- للعسكريين في الخدمة: 4 أضعاف الراتب (تعويض مؤقت + مساعدتين اجتماعيتين)، أي يضرب بسبعة مع حد أدنى يبلغ 7 ملايين.
- للمتقاعدين العسكريين والمدنيين: 3 أضعاف الراتب (تعويض مؤقت + مساعدتين اجتماعيتين)، أي يضرب الراتب بستة من دون حدّين أدنى وأقصى.
- اشترط المرسوم دوام عمل 14 يوماً على الأقل في الشهرالرسمي، ما لم يكن الغياب مبرراً قانوناً. وحُدد بدل النقل بـ 450 ألف ليرة عن كل يوم عمل فعلي، على أساس 14 يوم عمل للإداريين والمؤسسات العامة، و12 يوم عمل لأساتذة الجامعة اللبنانية. فيما حُدّد بدل أجر الساعة بضعفي البدل المقطوع الحالي لمقدمي الخدمات الفنية والتعليم في الجامعة اللبنانية والكونسرفتوار، وزيادة بنسبة 50% لبدل الساعة في التعليم الرسمي على أنواعه.
وفي ما يتعلق بالاعتمادات المطلوبة لتعاونية موظفي الدولة، أكدّت مصادر وزارة المالية أن مشروع مرسوم أرسل إلى إدارة التعاونية بتخصيص 450 مليار ليرة شهرياً اعتباراً من أول أيار وحتى نهاية السنة. وستدفع رواتب شهر أيار والمساعدتان الاجتماعيتان وفق سعر صرف 60 ألف ليرة للدولار. أما الرواتب والمعاشات التقاعدية الجديدة فستدفع اعتباراً من نهاية أيار على سعر الصرف المعمول به حين استحقاقها.

في الاستنتاجات
1- تمييز فاضح بين قطاع وآخر، وبين من هم في الخدمة الفعلية والمتقاعدين. بذلك، تم ضرب مبدأ التماثل والمساواة بين القطاعات ومكوّنات القطاع ذاته. وقد حصل التمايز على الشكل التالي:
من كان يتقاضى مليوني ليرة في الخدمة الفعلية و/ أو في التقاعد قبل الأزمة، كان راتبه آنذاك يساوي 1333دولاراً، وبعد المرسوم أصبح على النحو الآتي:
* في الخدمة الفعلية:
- مليونان × 7 ÷ 90 ألف ليرة (سعر الصرف الجديد) - 3% للتعاونية = 154 دولاراً.
- مليونان × 7 ÷ 60 ألف (سعر الصرف المعتمد عن شهري نيسان وأيار) - 3% للتعاونية = 226 دولاراً.
* في التقاعد:
تعتمد القاعدة ذاتها للمتقاعدين بحيث يضرب الراتب بستة، وبذلك ينخفض الراتب من 1333 دولاراً إلى 194 دولاراً على سعر صرف 60 ألفاً، وإلى 132 دولاراً على سعر صرف 90 ألفاً.
2- لن تكون قيمة الرواتب الجديدة مستقرة ما دام سعر الصرف بلا سقوف.

في الموقف
- ما أقرّه مجلس الوزراء محاولة هروب إلى الأمام من استحقاق إعادة القدرة الشرائية للرواتب والأجور ومعاشات التقاعد بما يوفّر الحدّ الأدنى من مقوّمات العيش اللائق.
- التمسّك باعتماد السلّم المتحرّك للأجور وفق مؤشّر الغلاء والتضخم كمقياس لإقرار تصحيح الأجور.
- التمسك بتحديد سعر صرف ثابت للرواتب والمعاشات التقاعدية إما على 15 ألف ليرة، كما تعتمده الموازنة، أو 28500 ليرة كما حُدّد عند إقرار المساعدتين.
-التمسّك بمبدأ التماثل والمساواة في تحديد الرواتب والمعاشات والزيادات بين كافة القطاعات بمن فيهم المتقاعدون.
- إسقاط مشروع تفريغ واستنزاف مؤسّسات القطاع العام من قدراته وكفاءاته، والإقلاع عن سياسة خصخصة هذا القطاع التزاماً بتعليمات صندوق النقد الدولي.
وأخيراً، أمام هذه المعطيات والأرقام والحقائق، وأمام انسداد الأفق أمام الموظفين والأساتذة والمعلمين والمتعاقدين والمتقاعدين المدنيين والعسكريين والتهميش الرسمي، سيبقى قرارهم: الاستمرار في الإضرابات والتظاهرات والاعتصامات وصولاً إلى ما يحفظ الكرامة الإنسانية لجميع العاملين في القطاع العام، ويعيد لهم موقعهم الوظيفي والاجتماعي والاقتصادي والاستعداد والجاهزية الكاملة لاستعادة كرامتهم وحقوقهم ومطالبهم المسلوبة.

* نقابي