ببطء يتجه التعليم الثانوي نحو الانتظام مع مرور الأيام. بعد السّادس من آذار، مع إعلان روابط التعليم نهاية الإضراب، والعودة إلى التعليم، امتنع 4500 أستاذ عن الدخول إلى الصفوف، واستمرّ تحرّكهم لأكثر من شهر. لكنّ زخم الحركة الاعتراضية بدأ يتضاءل مع الوقت، لتعود الثانويات إلى التعليم بشكل «شبه طبيعي» مع دمج الصفوف، والاستعانة بأساتذة متعاقدين، أو قيام بعض أساتذة الملاك بالحلول مؤقّتاً مكان زملائهم المضربين. ويضاف إلى أسباب انتظام التعليم، صدور مرسوم الزيادات على الراتب عن الحكومة، الذي يسري ابتداءً من شهر أيار. «يشمل المرسوم أفراد الهيئة التعليميّة» وفق أحد أعضاء رابطة الثانوي، الذي يؤكّد «وعد وزير التربية بقرب دفع الوزارة لـ125 دولاراً كبدلات إنتاجية عن شهري آذار ونيسان»، وعن احتمال توقف هذه المساعدة في الفترة الآتية بعد شهر أيار، موعد البدء بدفع الرواتب السبعة، يجيب: «نحن بانتظار موعد من وزير التربية للإجابة على هذا التساؤل».تراجع زخم التحرّكات ظهر أيضاً في نتيجة استبيان إلكتروني أجرته «لجنة متابعة الأساتذة المنتفضين» لمعرفة نسبة الأساتذة الرّاغبين بالعودة من عدمها، بعد قرار الحكومة رفع قيمة الرواتب وبدل النقل، إذ لم يشارك في التصويت سوى 1543 أستاذاً من أصل 7000 أستاذ في ملاك التعليم الثانوي، «صوّت 70% منهم على الاستمرار بالامتناع القسري، و30% مع العودة»، بحسب بيان اللجنة التي أكّدت «بكل شفافيّة، تراجعاً في المشاركة».

90 % تعليم
في مقابل حركة العودة البطيئة للتعليم، يداهم استحقاق «الامتحان الرّسمي» المدارس الرّسمية التي لم تعلّم لأكثر من 40 يوماً فعلياً هذه السّنة، ما يجعل إنهاء الدروس المطلوبة للامتحان الرّسمي قبل موعده خلال شهر تموز مستحيلاً، لذا يعوّل المعنيون على التقليص المنتظر للمنهج. يضاف إلى هذا المشهد المأساوي، وجود عدد غير قليل من الأساتذة الممتنعين عن التعليم في عدد من الثانويات منذ ما قبل مطلع العام الجاري، ولا يزالون، بسبب الأوضاع الاقتصادية!
وعليه، تتضارب صور العودة إلى التعليم من عدمها على الأرض. يجزم أعضاء الهيئة الإدارية بـ«انتظام التعليم بنسبة تصل إلى 90%»، بحسب أمين سر رابطة الثانوي حيدر خليفة، ويشير إلى «فرديّة التحرّكات في الثانويات، فالزملاء الممتنعون وصلوا إلى قناعة أعضاء الهيئة الإدارية نفسها، ولو استمرّ الإضراب أكثر من ذلك، لانتهى العام الدراسي»، مشبهاً تعليق الإضراب في السّادس من آذار بـ«الانسحاب التكتيكي بعد استنفادِ الأوراق كافة». من جهة ثانية، يؤكّد خليفة «أنّ ما تحقّق في جلسة الحكومة الأخيرة لا يكفي، وورقة الامتحانات الرّسمية لا تزال بيد الرّابطة». أمّا عن العام الدراسي القادم، فـ«مع نهاية السّنة الدراسية الحالية، سندعو مجالس المندوبين للانعقاد في مختلف المناطق بغية إعادة تفعيل عمل المؤسّسات، وإقامة ورش عمل لمعرفة مطالب الأساتذة، ومتابعتها، وإبقاء القضية حيّة».

وتململ الأساتذة
«مكاننا الطبيعي في الصفوف، لا البيوت ولا الشّوارع، إلا أنّ الوزارة تعوّل على انهيارنا، ومن غير المعقول أن نعود بلا ولا شي» يقول عضو لجنة تنسيق انتفاضة الكرامة صادق الحجيري. لا تتبنى اللجنة إذاً الدعوة للعودة إلى التعليم، «فما يرشح لا يبشّر بالخير، سيّما الغموض الذي يلف الرّواتب الأربعة الإضافية ربطاً بالإنتاجية، وفك ارتباط الرّاتب بمنصة صيرفة، والتراجع عن ربط النقل بليترات البنزين». ولكنّ الحجيري يلفت إلى أن «نسبة المشاركة المتدنّية في الاستبيان، والتي لم تتجاوز الـ25% من الأساتذة، لا تعطي زخماً كبيراً للموقف النقابي، رغم أنّ أكثريّة المشاركين مصرّة على متابعة التحرّكات، وعدم العودة». ويؤكّد الحجيري «وجود عدد لا بأس به من الأساتذة المستمرّين بالتحرّكات، يصل عددهم إلى الـ1000»، مقدّراً «صمودهم في وجه حملات الترغيب والترغيب التي يتعرّضون لها».

الإدارة العامة: إضراب مستمر
في مقابل تذبذب المواقف في قطاع التعليم الرّسمي، يستمرّ موظفو القطاع العام بإضرابهم الذي يسمونه «انقطاعاً قسرياً عن العمل». الدولة تدرك تماماً أنّ غياب هؤلاء عن مراكز عملهم يؤدّي إلى خسائر مالية، إذ لا تُجبى الضرائب، ولا يدفع المكلّفون الرّسوم، ولكنّها لا تفعل شيئاً لمساعدتهم على الحضور، فـ«رغم مضاعفة الراتب 7 مرّات، لا تزال قيمته دون الـ150 دولاراً، ومع الحسومات يتدنّى إلى 135 دولاراً، ومن المستحيل أن يتكبّد الموظف 10 ملايين ليرة شهرياً بدل نقل، ويتقاضى 8» تقول رئيسة رابطة الإدارة العامة نوال نصر.
يداهم استحقاق الامتحان الرّسمي المدارس التي لم تعلّم أكثر من 40 يوماً فعلياً


وتبرز أيضاً مشكلة عدم إدخال هذه «الزيادات الهزيلة» في أصل الراتب، ما يؤدّي إلى دفع تعويضات الصّرف على أساس راتب واحد، بالتالي يتقاضى من قضى عشرات السنوات في الخدمة مبالغ لا تصل إلى 500 دولار كتعويض عن خدماته. تصف نصر هذه الأفعال بـ«حرب إبادة تشنّها الدولة على موظفيها الذين يتقاضون رواتب لا تكفي لدفع ثمن التيّار الكهربائي الرّسمي المسعّر بالعملة الأجنبيّة». وتضيف: «الموظف لا يطالب براتب يمكّنه من التوفير، والعيش برغد، بل يريد أن يعيش»، والمطلب الأساس «تثبيت سعر خاص لموظفي القطاع العام على منصة صيرفة، وإعادة الاعتبار إلى التغطية الصحية عبر تعاونية موظفي الدولة، ودعمها بما تطلب، أي 8 آلاف مليار ليرة، لا 450 ملياراً كما جرى في الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء».



موعد الامتحانات الرّسمية: سبق صحافي!

انقر على الصورة لتكبيرها

لا يترك وزير التربية عباس الحلبي مناسبةً إلّا ويستغلّها للظهور إعلامياً. آخرها الإعلان عن أمرٍ سيادي يتعلّق بمواعيد الامتحانات الرّسمية» التي ينتظرها طلاب صفوف الشهادات الرّسمية، عبر وسيلة إعلامية خاصة!
«وزير التربية يعلن حصرياً عبر قناة الـmtv مواعيد الامتحانات الرّسمية»، هكذا احتفى مذيع نشرة الأخبار بالسبق الصحافي الذي خُصّت القناة به، متابعاً «التلامذة ينتظرون الإعلان»، ليردّ مراسل من قلب مكتب الوزير «البلد كلّه ناطر، الوزير خصّ القناة بالإعلان الحصري». بهذه الطريقة أُعلنت مواعيد وجداول توزيع المواد للامتحانات الرّسمية، عبر السّبق الصحافي الذي حصلت عليه وسيلة إعلامية غير رسميّة من وزير في الحكومة اللبنانية. وفي وقت لاحق، نشرت القناة على موقعها الإلكتروني جدول المواعيد الممهور بتواقيع المديرين المعنيّين في الوزارة، وتوقيع الوزير، ولم تنسَ إضافة «علامة مائية، water mark»، ليتناقل كلّ أهل التربية في لبنان الجداول الصّادرة عن جهة رسمية، إنّما المنشورة من قبل وسيلة إعلامية خاصة. علماً أن مواقع التواصل الاجتماعي كانت تتناقل طيلة النهار خبراً عن احتمال أن يعقد الوزير مؤتمراً صحافياً للإعلان عن المواعيد، ما نفته مصادر الوزارة لـ«الأخبار».
يرى تربويّون في هذه الأفعال «تنازلاً عن السّيادة، وخاصة أنّ الوزارة لم تنشر الوثائق بطريقةٍ رسميةٍ، لا على موقعها الرّسمي، ولا عبر حساباتها على وسائل التواصل الاجتماعي، ما يدفع المدارس إلى اعتماد جدول ممهور من قبل وسيلة إعلامية خاصة لإبلاغ التلامذة بمواعيد الامتحانات وتوزيعها!».