استقطبت صيدا خلال ليالي شهر رمضان الماضي، آلاف الزوار الذين توافدوا من مختلف المناطق للتجوال في أزقّتها القديمة، والسهر في مقاهيها، ومواكبة أنشطتها الفنية والترفيهية. لكنّ زحمة هذا الشهر لا تبدّد الهدوء الذي تعيشه في الأحد عشر شهراً المقبلة. ذلك أنّه ما إن انقضت آخر ليالي الصوم، حتى فرغت صيدا القديمة من زوّارها، لترتفع تساؤلات أهل المدينة عن سبب حصر الاهتمام السياحي والتجاري بشهر رمضان فقط، مطالبين بتعميم التجربة طوال السنة. فهل من مجيب؟
قبلة سياحية
طوال شهر رمضان، تحوّلت صيدا إلى قبلة سياحية واقتصادية وترفيهية بإشراف بلدية صيدا وتجمّع المؤسسات الأهلية. نجح المعنيون في تحويل صيدا القديمة إلى وجهة «سياحة سحورية»، من ساحة البحر وخان الإفرنج إلى باب السراي ومقهى القزاز إلى حمام الجديد وقصر دبانة وضهر المير. لكنّ كثيرين من روّاد المقاهي اشتكوا من غلاء الأسعار. فقد وصل سعر فنجان القهوة الواحد إلى مئة ألف ليرة، وصحن الفول والحمص إلى ثلاثمئة ألف ليرة ومنقوشة الجبنة إلى ثلاثمئة ألف ليرة. أما عن تذاكر الدخول إلى الأنشطة الفنية، فقد سُعّرت بالدولار الطازج.
مَن المستفيد؟ برغم ضخامة أعداد الوافدين والأموال التي أُنفقت، إلا أن توزّع الأرباح لم يكن عادلاً. صاحب دكان متواضع في باب السراي قال لـ«الأخبار» إن «الأرباح الكبرى قطفها أصحاب المقاهي الكبرى وعددها لا يتجاوز عدد أصابع اليد، وهم من خارج صيدا القديمة، أو هم واجهة لجمعيات أو لأبناء فعاليات ومتموّلين كبار. نحن كدكاكين صغيرة استفدنا من الفُتات، من بيع البونجوس وألواح الشوكولاتة». ويشكو من ترك البلد لمصيره طوال 11 شهراً «نغرق خلالها في النفايات، وتنطفئ الأنوار، وينتشر متعاطو المخدّرات والحبوب في زوايا الأزقة».

عوائق التنمية
هذه الشكاوى يمكنها أن تختصر العوائق التي تمنع صيدا من أن تصبح قبلة للسهر طوال العام: تقنين الكهرباء، وارتفاع بدلات مولدات الاشتراك، وتراجع خدمات شركة جمع النفايات، وازدياد ظاهرة الإخلال بالأمن، والتعديات وتناول المخدّرات. علماً أنها تبدّدت تماماً خلال رمضان. بسحر ساحر، ضُبط الأمن حتى تساءل البعض «أين ذهب الزعران والمحبحبجية (متعاطو الحبوب المخدّرة)؟». لم يُرصد في أي ليلة ظهور لعنصر من قوى الأمن الداخلي أو من شرطة بلدية صيدا. فمن ضبط الأمن؟ وفق مصادر متابعة، فإن منظمات المجتمع المدني المحلية المساهمة في الفعاليات الرمضانية تعاقدت مع شبان البلد وأوكلت إليهم مهمة الحفاظ على أمن الساهرين ومنع وقوع الإشكالات». وحدها النفايات بقيت الحاضر الأبرز، إذ تكوّمت مئات الأطنان من النفايات الناتجة عن المقاهي والمحالّ والأفران في الشوارع والأزقة بانتظار من يرفعها. وبتأخير امتدّ نحو أسبوع، بدأت شركة NTCC برفع النفايات أمس.
مختار صيداوي عتيق لخّص لـ«الأخبار» ازدواجية المدينة بين رمضان وخارجه بأن «صيدا البلد غائبة عن برامج القوى والفعاليات، لكنها تحضر فقط للاستفادة أو التسوّل على حساب أهلها الفقراء، من قبيل مشروع إعادة نقش الحجر القديم الخارجي للأبنية من دون الالتفات إلى أوضاع البشر المقيمين داخلها». وعن الموسم الرمضاني يؤكد المختار أنه «تحوّل إلى موسم تجاري ربحي بامتياز بمباركة الجميع».
وهذا ما يدفع إلى السؤال عما إذا كانت فعاليات «صيدا مدينة رمضانية» قد لحظت معايير الاستدامة والتنمية بعيداً عن حسابات المنتفعين من أصحاب المحالّ والجمعيات المساهِمة في تنظيم الأنشطة؟

احتفال تكريمي
الخطوة اللاحقة المرتقَبة بعد انتهاء المهرجان الرمضاني، تكريم المساهمين بإنجازه، إذ تتجهّز بلدية صيدا وتجمّع المؤسسات الأهلية لتنظيم احتفال تكريمي في خان الإفرنج بداية شهر أيار المقبل، لأصحاب المقاهي والمحالّ والباعة وعمال النظافة وكلّ الذين كان لهم دور في نجاح موسم رمضان الصيداوي لهذا العام. التكريم سيتضمن طاولة حوار لتقديم أفكار واقتراح مشاريع سياحية وترفيهية تُنظم داخل صيدا القديمة على مدار العام. وتشمل الخطة التي تعدّها الجمعيات ترميم المقاهي والأزقة والمنازل، وتكريس مسارات للزوار داخل البلد، منها مسار السياحة الدينية.