يبدو أنّ الأوامر بـ«منع المتظاهرين من الوصول إلى السّرايا» كانت أكثر صرامة هذه المرة من التظاهرة الأخيرة لمتقاعدي العسكر والقوى الأمنية التي نظّمت مطلع الشهر الجاري. كان متقاعدو القوى الأمنية يحاصرون السّرايا من ثلاث جهات: رياض الصّلح، الجامع العمري وبرج المر، فـ«الحكومة كلّها جوّا» يقول عسكري متقاعد، بينما يهمّ بقطع الأسلاك الشائكة بواسطة أدوات يحملها هو وعدد من زملائه. يحاول أحد الضباط المتقاعدين منعهم، فالهدف «رفض جدول الأعمال وإسقاطه قبل إقراره» يقول، مؤكّداً في الوقت عينه «احترام الأملاك العامة، ورفض التعدّي على رفاق السّلاح»، ولكن لم يكمل الضابط كلامه حتى انطلقت القنابل المسيّلة للدموع من فوّهات «الرفاق»، التي لم تؤدّ سوى إلى تأجيج الغضب، وتشتّت جزء من الجمع، مع مغادرة من هم أقل قدرةً على تحملّها.تهدف جلسة الحكومة إلى إعادة إطلاق عجلة العمل والإنتاج في مديرياتها ودوائرها، التي لا يعمل منها إلا ما ندر بغية «تسيير الأعمال وعدم إيقاف صرف الرواتب للموظفين»، يقول موظف قادم من وزارة المالية. لكنّ حسابات حكومة نجيب ميقاتي في وادٍ، وطلبات الموظفين في وادٍ آخر، إذ يحبس بعضهم أنفاسه قبل «الإعلان عن الإضراب العام المفتوح في حال خروج الجلسة بصفر إنجازات»، ولا سيّما أنّ ما كان مقرّراً من مشاريع مراسيم في الجلسة الماضية يعطي بدلات إنتاجية لبعض القطاعات، ويستثني غيرها مثل الأساتذة، ما دفع مصادر في روابط التعليم إلى الإعلان همساً بـ«أنّ هذا الأمر في حال حدوثه سينهي العام الدراسي المتعثر أصلاً».
المطلوب من الحكومة تثبيت سعر صرف للرواتب على منصّة صيرفة


أوراق بلا قيمة
إلى ساحة رياض الصلح، تداعى الموظفون والمتقاعدون منذ الإعلان عن نية عقد الجلسة بكلّ الطرق الممكنة، ففي إحدى قرى منطقة بعلبك، استخدم متقاعدو الجيش مذياع المسجد لـ«دعوة العسكريين وعوائلهم للتجمّع أمام نادي البلدة للنزول في التظاهرة إلى ساحة رياض الصلح». وإلى جانب الدعوات الأهلية، كانت هناك دعوات أخرى أكثر تنظيماً. فعلى إثر تسريب مجلس الوزراء أنّ النقاش سيدور حول «إضافة 4 رواتب على ما يتقاضاه الموظف في الخدمة، و3 معاشات على حقوق المتقاعد»، تداعت روابط موظفي القطاع العام المنضوية في المجلس التنسيقي، الذي يضم كلّاً من روابط التعليم (الأساسي، المهني، الثانوي)، ورابطة موظفي الإدارة العامة، بالإضافة إلى روابط المتقاعدين جميعاً، من مدنيين، وعسكريين الأكثر قدرةً على الحشد والتأثير على الأرض، للتظاهر تعبيراً عن «رفض المقترح الذي لا يلبي الطموح، فالرواتب الـ 7 التي تعدنا بها الحكومة لو أقرّت، لن تساوي 200 دولار بحسب سعر منصة صيرفة الحالي!» يقول أحد المتظاهرين، أما المطلوب من الحكومة فهو «تثبيت سعر الصرف لرواتب الموظفين والمتقاعدين على منصة صيرفة، لا نريد قبض أوراق لا قيمة لها».

الضمان الصحي أولاً
إلا أنّ أكثر ما يشغل بال المتقاعدين من المتظاهرين هو «غياب أيّ بند يدعم موازنة تعاونية الموظفين، وهم في أمسّ الحاجة إلى الرعاية الطبيّة»، بحسب أستاذ متقاعد في الجامعة اللبنانية يدور حاملاً لافتةً يطلب فيها «أخذ كامل معاشه وتأمين الدواء والاستشفاء له»، فيما تطالب أستاذة ستبلغ سنّ التقاعد في الأشهر القادمة من زملائها «عدم مغادرة السّاحات، لإعادة الاعتبار إلى الجهات الضامنة أقلّه، التي اقتطعت لأجل دعمها الدولة من راتبها على مدى 41 عاماً ما يوازي رواتب 4 سنوات متتالية، لتجد نفسها اليوم من دون أيّ تغطية صحيّة حقيقيّة».