شكّلت جلسة اللجان النيابية المشتركة، أمس، والتي تغيّب عنها وزيرا الداخلية بسام مولوي والمالية يوسف خليل، الخطوة التمهيدية الأولى لتطيير الانتخابات البلدية (التي كان يُفترض أن تجرى في أيار 2022 قبلَ إرجائها لتزامنها مع الانتخابات النيابية)، بعدَ أسابيع تقاذفتْ فيها الحكومة ومجلس النواب - شكلياً - المسؤولية عن تجاوز هذا الاستحقاق الدستوري الذي تبيّن أخيراً عدم حماسة أي من الأحزاب والتيارات السياسية خوضه.الجلسة التي انتهت باقتراح من نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب يقضي بالتمديد 4 أشهر، ستليها جولة جديدة من النقاش في الهيئة العامة حول مدة التمديد للمجالس البلدية والاختيارية التي تنتهي ولايتها في 31 أيار المقبل، وهي مدّة أصبحت «محسومة» وفقَ ما كشفت مصادر نيابية لـ «الأخبار» بالإشارة إلى «اقتراح قانون لم يُعلن عنه بعد، موقّع من النائبين سجيع عطية وجهاد الصمد، ينص على التمديد لمدة عام كامل»، وذلك بعد اتصالات سياسية مكثفة بين الرئيسين نبيه بري ونجيب ميقاتي وعدد من القوى السياسية.
غياب مولوي عن الجلسة لم يكن مفاجئاً. ورغم الهجوم الذي تعرض له بسبب هذا التغيّب، فإن عدم حضوره شكل خشبة خلاص للكتل النيابية التي رفعت لواء محاربة التمديد ووجدت فيه مخرجاً لتبرير مشاركتها في الجلسة التشريعية التي سيدعو إليها الرئيس بري الأسبوع المقبل، بعدما دعا إلى اجتماع لهيئة مكتب المجلس اليوم للبت بالأمر.
وفيما كان لافتاً إعلان عضو تكتل «لبنان القوي» النائب آلان عون أن التكتل سيشارك في الجلسة التشريعية تفادياً لفراغ المجالس البلدية والاختيارية، فإن موقف الأطراف الأخرى لم يكن بعيداً من هذا الجو. إذ إن حزبي القوات والكتائب، ومعهما النواب المستقلون والتغييريون، لم يعلنوا خلال الجلسة موقفاً معارضاً لتطيير الانتخابات بل حمّلوا المسؤولية إلى الحكومة «التي لم تقم بعملها كما يجب»، وعبّر عدد من نوابهم صراحة عن استحالة إجراء الانتخابات في موعدها، حتى أن الاقتراح الأول بالتمديد «مدة ستة أشهر» خرج من النائب «التغييري» ميشال الدويهي قبل أن يقدّم بو صعب اقتراحه. أما خارج المجلس، فكانَ واضحاً عدم انخراط هذه القوى جدياً، لا ترشيحاً ولا على المستوى التنظيمي، وهو ما كشف عنه المدير العام للأحوال الشخصية في ملاك وزارة الداخلية الياس خوري بالإشارة إلى أن أحداً لم يتقدم بطلبات للحصول على لوائح الشطب!
توافق ضمني على عدم إجراء الانتخابات وبري وميقاتي طبخا المخرج


ورغمَ أن جلسة اللجان شهدت انقساماً حاداً بين مؤيد مطالب بتأمين تمويل الانتخابات من حقوق السحب الخاصة التي تسلمها مصرف لبنان المركزي من صندوق النقد الدولي أواخر عام 2021، وتأكيد آخرين استحالة إجرائها في ظل الظروف الراهنة السياسية أو الاقتصادية، إلا أن الجميع، وفقَ مصادر نيابية، «تقاطع على عدم إجراء الانتخابات». فالتيار الوطني الحر كسر قرار مقاطعة أي جلسة تشريعية في ظل الشغور الرئاسي، والقوات اللبنانية شاركت في اللجان وأمنت نصاباً رغمَ تأكيدها سابقاً أنها لن تشارك في الجلسات في ظل الشغور.
العارفون بكواليس الاتصالات أكدوا أن «غياب خليل ومولوي جاء باتفاق بين ميقاتي وبري». وقالت مصادر «الأخبار» إن «وزير الداخلية الذي يطمح لرئاسة الحكومة لاحقاً، تعمّد التأكيد على جاهزية وزارته لإجراء الاستحقاق، تفادياً للتصادم مع المجتمع الدولي». وبينما كان ميقاتي يؤكد أن «على مجلس النواب القيام بالإجراء اللازم لتأجيل الانتخابات، أكد بري أنه في حال حضر مولوي وكرر أن لا عقبات إدارية أو لوجستية تمنع إنجاز الاستحقاق فلا يُمكن للمجلس أن يذهب إلى التأجيل، إذ لا أسباب موجبة تدفعه إلى ذلك»، فكانَ الاتفاق بينهما، بتغيب مولوي وخليل عن الجلسة.
وبمعزل عن هذا المخرج الذي طُبِخ بمشاركة الجميع، إلا أن ما لا يُمكن تجاوزه حقيقة هو تقصير الحكومة التي لم تقم بواجباتها. فكل القوى السياسية، كانت أمس على قناعة باستحالة إجراء الانتخابات، ليسَ بسبب التمويل الذي يأتي في أسفل الأسباب التي تستدعي التأخير. بل في الإجراءات الإدارية، إذ لم تستطع وزارة الداخلية الاتفاق مع وزارتي الدفاع والتربية على تأمين الأساتذة المشرفين على العملية الانتخابية والعناصر الأمنية التي ستتولى حمايتها، فضلاً عن المشكلة الأساسية المتمثلة بدوائر النفوس المقفلة منذ مدة، حيث يجري احتجاز آلاف من المعاملات الخاصة من هويات وإخراجات قيد. وهو ما أكدته ممثلة وزير الداخلية والبلديات المديرة العامة للشؤون السياسية واللاجئين فاتن يونس، التي كُلفت الإعلان عن «عجز الوزارة واستحالة إجراء الانتخاب»، من ضمن السيناريو الذي كانَ محضراً.