يبدو أن تمثيل الأشخاص المعوقين في الجسم النقابي، للمناداة بحقهم في إيجاد فرص عمل، وتقاضي أجور متساوية مع أجور غير المعوقين، لم يكن يستدعي كلّ هذا الصراخ. ببساطة، وبشكل مباغت، وُلدت لجنة خاصة بالأشخاص ذوي الإعاقة في الاتحاد العمالي العام، أعلنت عنها هيئة مكتب المجلس التنفيذي للاتحاد خلال اجتماعها الدوري الخميس الماضي. وبدلاً من «الاشتراك مع الجهات والجمعيات المعنية بهذا الشأن»، كما قالت في البيان، نفت هذه الجهات أيّ علم باللجنة وبكلّ ما يرتبط بها. استغرب الناشط في مجال الإعاقة إبراهيم عبدالله عندما عرف بخبر إنشاء اللجنة عبر «فايسبوك». وأُثيرت حشريته حول مسوّغاتها وأسبابها، ومن أين خرجت فجأة. ومع أنّه لم يبدُ متحمساً نظراً إلى واقع الاتحاد العمالي العام في لبنان وعدم فعاليته، إلا أنه يقول: «لا بدّ من قراءة ما حصل بإيجابية، وخاصة أننا صارعنا كثيراً لندفع الحركات النقابية لحمل قضيتنا».
المشروع فردي بادرت إليه أربع سيدات (هيثم الموسوي)

ما هي اللجنة؟ ومن أين خرجت؟
بدورها، لا تعرف رئيسة «الاتحاد اللبناني للأشخاص المعوقين حركياً» سيلفانا اللقيس، السيدة التي تكاد تكون الأنشط في مجال الإعاقة، شيئاً عن اللجنة التي ستُعنى بحقوقهم. وهذا ما أثار استياءَها، إذ «لا يمكنهم تخطّينا بهذه الطريقة. فنحن من صرخ وطالب بمأسسة قضايا العمال المعوقين ضمن الاتحاد، وبوضع معايير ومواصفات للنقابات تراعي شؤون الأشخاص المعوقين».
بيان الإعلان عن اللجنة كان فضفاضاً، ترك المهتمين في حيرة من أمرهم حول ماهيتها وعملها ومن أين خرجت. فكل ما أتى على ذكره «ضرورة إدماج الأشخاص ذوي الإعاقة في سوق العمل اللبناني وتوفير أكبر الفرص لهم، وتطبيق المساواة وعدم التمييز بشأنهم، إضافة الى ضرورة تطبيق القانون 220 المتعلق بحقوق الأشخاص المعوقين، ونص اتفاقية CRPD حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة».

الاتحاد: «اسألوا فادي الحلبي»
لا البيان كان واضحاً، ولا رئيس الاتحاد بشارة الأسمر كان قادراً على توضيحه في اتصال مع «الأخبار». لذا طلب مرتين توجيه الأسئلة إلى المدير التنفيذي للشبكة الجامعة لمناصرة الأشخاص المعوّقين EDAN فادي الحلبي كونه يدير مشروع تأسيس اللجنة. قبل أن يجيب: «نريد تخصيص مكان للأشخاص المعوقين في الاتحاد، ووضع الاتفاقية الدولية موضع التنفيذ، بما يحفظ حقوق هذه الفئة بالكامل عبر التزام القطاعين العام والخاص بالنسب المحددة لتشغيلهم». وعن تخطي الجمعيات المعنية بشؤون المعوقين يردّ: «لا نزال في بداية الطريق، وسنتفاعل مع الجمعيات في الأيام المقبلة».
11.8% فقط ممّن لديهم إعاقات متوسطة وشديدة وهم فوق الـ15 عاماً يعملون


مشروع فردي
الحكاية إذاً عند فادي الحلبي الذي يروي تفاصيلها. «قدّمت الشبكة الجامعة لمناصرة الأشخاص المعوّقين EDAN»، وهي منظمة غير حكومية، برنامجاً مشتركاً مع المركز اللبناني للدراسات بعنوان: «آمال وتحديات نساء ذوات الإعاقة في العالم العربي». ويهدف إلى تدريب نساء ذوات إعاقة ليكنّ مناصرات لقضية الإعاقة، قبل اختيار 15 امرأة عربية ينقسمن إلى خمس لجان للتطبيق الفعلي. وكان من بينهن ريما وآمال وأليسار وليال، أربع سيدات لبنانيات من ذوات الإعاقة، اخترن أن يكون مشروعهن تأسيس لجنة للأشخاص المعوقين في الاتحاد العمالي العام. وجاءت الموافقة من الاتحاد على تشكيل اللجنة بالتعاون مع الحلبي الذي لا يخفي أنّ «وجود اثنتين من المجموعة، هما ليال وأليسار، داخل الاتحاد سهّل الحصول على الموافقة».
في الخلاصة، جاءت الموافقة على إنشاء لجنة في الاتحاد تحمل قضايا المعوقين. لكنّها، لجنة بلا هوية بعد، ليس هناك أي شيء واضح يرتبط بها، «لا نعرف ما هي الهيكلية، ومن المبكر الحديث عن شكلها، مسوّغاتها، هويتها وعضويتها»، وفق الحلبي الذي يؤكد ضرورة أن «تُترجم بآلية واستراتيجية». وعن سؤال الأخبار: «هل واقع الاتحاد اليوم، والتشرذم الذي يلفّ الجسم النقابي كلّه يدفعان إلى التعويل على اللجنة»؟ يجيب: «ما حصل هو خرق مهم لأنّ من قام به سيدات وبشكل فردي أولاً، ولأنه يؤسس لوقف تهميش المعوقين ويقود إلى تواجدهم وتمثيلهم في كل مكان».



80% بطالة في صفوف المعوقين
نظرة سريعة على نتائج دراسة بعنوان «المسح الوطني للقوى العاملة والأحوال المعيشية للأسر»، لم تُنشر بعد، قامت بها إدارة الإحصاء المركزي بالتعاون مع منظمة العمل الدولية، تؤكد تفشّي البطالة في صفوف الأشخاص المعوقين. وبلغة الأرقام، أظهر المسح الذي أجري على 54 ألف شخص معوق في لبنان، أنّ 11.8% فقط ممّن لديهم إعاقات متوسطة وشديدة (ويبلغ عددهم 4.4% من سكان لبنان) وهم فوق الـ15 عاماً يعملون. في حين بلغت القوى العاملة في صفوف ذوي الإعاقات الخفيفة (ويشكلون 12.7% من سكان لبنان) لمن هم فوق الـ15 عاماً 22.7%. والمفارقة أن المسح أجري بين عامي 2018 و2019، أي قبل أن تعصف الأزمة الاقتصادية بلبنان، ويُصرَف موظفون من وظائفهم، وتفقد رواتبهم قيمتها، ويخسر مودعون ودائعهم.