​ يدور جدل بين المحامين في أروقة قصور العدل حول التعديلات التي أقرّها مجلس نقابة المحامين في بيروت في الثالث من آذار الجاري، وطالت الفصل السادس من {نظام آداب مهنة المحاماة ومناقب المحامين}، وتحديداً المواد 39، و40، و41، و42 التي تتناول علاقة المحامي بوسائل الإعلام. علماً أن هذه المواد كانت مثار نقاش حين أُقرّت في 29 آذار 2014، وتسببت بردود فعل كَونها تقيّد حرية المحامي وتُحد من ظهوره الإعلامي (راجع «الأخبار»، عدد 14 آب 2014، حرية تعبير المحامي على المحكّ!).مرّت تسع سنوات على إقرار المواد التي تنظّم علاقة المحامي بوسائل الإعلام على اختلاف أنواعها، وهي ترتبط بمنع الظهور الإعلامي للمحامي وتقديم الاستشارات القانونية للجمهور من خلالها، فضلاً عن ربط مشاركته في البرامج والندوات القانونية بإذن مسبق من نقيب المحامين.
النقطة الخلافية الأولى، تتركز حول المادة 39 التي تنصّ بموجب التعديل «على المحامي أن يمتنع عن استخدام أي وسيلة من وسائل الإعلام والاتصالات منبراً للكلام أو المناقشة في الدعاوى العالقة أمام القضاء، مع حفظ حقه في الرد بعد موافقة النقيب، تستثنى من ذلك القضايا الكبرى التي تهم المجتمع، بعد أخذ موافقة النقيب».
ويتركز النقاش بين المحامين حول المعايير الأساسية التي ستعتمدها النقابة لتمييز القضايا الكبرى من القضايا الصغرى، وبالتالي تحديد الحالات التي يستطيع أن يتحدث فيها المحامي أمام الرأي العام وتلك التي يفترض أن يمتنع عن التطرق إليها إعلامياً.
أما النقطة الخلافية الثانية، فتتركز حول التعديل الذي طال كلمة واحدة في المادة 41، إذ جرى تبديل كلمة «يُستحسن" بكلمة "يستحصل" في الجملة المذكورة. فتحولت جملة «يستحسن على المحامي أخذ إذن مسبق من النقيب للاشتراك في ندوة أو مقابلة ذات طابع قانوني..»، إلى «على المحامي أن يستحصل على إذن مسبق من النقيب للاشتراك في مقابلة أو ندوة تنظمها وسائل الإعلام.. على أن يحدد في طلبه زمانها وموضوعها واسم الوسيلة».

بين مؤيّد ومعارض
يقف المحامون بين مؤيّدين للتعديلات من أجل وضع حدّ لـ«الفوضى الإعلامية» التي يعيشها عدد من المحامين، ومعارضين يرون فيها محاولة لكمّ أفواه المحامين وقمع حريتهم في التعبير. وبين الرأيين، هناك من يترقّب الفصل الأخير من النقاش خوفاً من التسرع في الاصطفاف ودفع الأثمان في ما بعد.
«نحن مع الضوابط التي تنظّم مهنة المحاماة خصوصاً أن عدداً من الزملاء يدلون بآرائهم بخفّة على شاشات التلفزة، ما ينعكس سلباً على صورة المحامي عموماً، ولكن شرط ألا تتحوّل إلى قيود تكبّل المحامي وعمله»، يقول المحامي محمد حيدر، مشدداً على «ضرورة وجود معايير واضحة حتى لا يكون هناك تكبيل مبطن للمحامي. إذ نرفض أي قيد من شأنه الحدّ من حرية المحامي في إبداء رأيه حول قضايا الشأن العام، بكل بساطة إذا تبيّن أن هذا الرأي على سبيل الدعاية أو التسويق الشخصي للمحامي، يفترض اتخاذ النقابة إجراءات في حقه». ويلفت إلى أن «القضاة الذين لديهم حق التحفظ، لديهم ناد لإبداء رأيهم في ما يجري، والمحامون لا يحتاجون إلى قيود تفرض عليهم للحد من حرية التعبير عن آرائهم».
المحامية مريم حمدان تلفت إلى أن «قرار التعديل يهدف إلى الحد من الفلتان الإعلامي لدى عدد من الزملاء الذين لا قيود في تصريحاتهم وكلامهم، ما يجعل صورة المحامي أمام الناس تهتز، فلا يعود محل ثقة نتيجة كلامه غير المسؤول، وقد يظلم القرار محامين آخرين». وتشدّد حمدان على «أهمية ضبط الملفات العالقة أمام القضاء والتي يعمد فيها عدد من المحامين إلى توجيه الرأي العام من دون مراعاة أصول المهنة في محاولة للتأثير على عمل القضاء»، معتبرةً أن التعديل لم يكن ضرورياً، كان يمكن للنقيب أو مجلس النقابة، كالعادة، التذكير من خلال تعاميم بمضمون هذه المواد التي تتعلق بالعلاقة مع وسائل الإعلام، خصوصاً أن التعديل كان طفيفاً، وبدا وكأنه يمس بحرية المحامي».

مخالفة اتفاقية مكافحة الفساد؟
«القرار مخالف للفقرة (هـ) من الدستور، وللمادة 13 من اتفاقية مكافحة الفساد التي انضم لبنان إليها، وهي تحمي الناشطين وتدعوهم إلى عقد مؤتمرات لفضح الفساد والفاسدين»، وفق رئيس جمعية «الشعب يريد إصلاح النظام» المحامي حسن بزي، معتبراً أن «هذا القرار هو نوع من كبح جماح المحامين الناشطين ومنعهم من عرض ملفاتهم أمام الرأي العام، كما أنه يمنع النقاش القانوني على غروبات الـ«واتساب»، الأمر الذي يعني أنه باتت هناك مركزية عند نقيب المحامين، وقرار السماح محصور بهذا الموقع».
وإذ يعبّر بزي عن احترامه لنقيب المحامين، يطرح مخاوف من تحول هذه التعديلات إلى قيود تمارس ضد المحامين. ويسأل: «ماذا سيحصل بعد انتهاء ولاية النقيب، وفي حال جاء نقيب جديد من الأحزاب الحاكمة، ألن تشكل هذه التعديلات وسيلة لقمع المحامين الذين يعملون في عمل سياسي مناهض لهذه الأحزاب، هل هناك إمكانية لأخذ إذن النقيب ونحن في الشارع خلال الاحتجاجات والتظاهرات؟ يبدو ذلك غير قابل للتطبيق!». ويطرح بزي إشكالية مرتبطة بالنواب المحامين وما إذا كان عليه أن يستحصل على إذن من نقابة المحامين، فتصبح النقابة قيّمة على أداء النواب وعلى عمل رؤساء الأحزاب الذين تعمل غالبيتهم في مجال المحاماة».
يقف المحامون بين مؤيّدين ومعارضين للتعديلات من أجل وضع حدّ لـ«الفوضى الإعلامية» التي يعيشها عدد من المحامين


وأكد «ائتلاف استقلال القضاء»، في بيان، دعم «أي جهد للطعن بالقرارات الصادرة عن مجلس النقابة»، وحض المجلس على «إلغاء قراراته المتخذة في 3/3/2023، فوراً، والعمل على تعديل آداب المهنة على النحو الذي يفعّل دورها في خرق جدار الإفلات من العقاب وإعادة الانتظام العام». وحذّر البيان من «مغبّة ملاحقة أي محامٍ على خلفية مخالفة أي من هذه القرارات المخالفة بطبيعتها للقانون أو ممارسة حقه المشروع في انتقاد مجلس النقابة أو نقيبها». وأكد عضو الائتلاف المحامي مازن حطيط أن «القرارات تنتهك حرية المحامين، وتضع رقابة استنسابية مسبقة عليهم خلافاً للدستور والإعلان العالمي لحقوق الإنسان (المادة 19). بدليل أن المجلس لم يضع أي آليات أو معايير أو مهل لها، إنما ترك للنقيب سلطة مطلقة في تحديد شروطها بغياب أي رقابة قضائية فعليّة عليه، كما تمس باستقلالية المحامي في ممارسة حقّ الدفاع عن موكله، وتحصّن ممارسات الإفلات من العقاب بإسكات المحامين وتجريدهم من وسائل مشروعة وديمقراطية».



نقيب المحامين: لا تشتموا بعضكم بعضاً

(هيثم الموسوي)

تعليقاً على النقاش الدائر بشأن ظهور المحامين في وسائل الإعلام قال نقيب المحامين في بيروت ناضر كسبار: «إذا قصّرت النقابة يمكن لفت نظرها إلى مسألة أو موضوع أو نقطة ومخاطبتها مباشرة وليس عبر وسائل الإعلام، وهي التي تقرّر ما يجب القيام به. وهي لن تقبل بأن يُغيِّر مسارها التاريخي والمناقبي والريادي مجموعة من الذين يدّعون المحافظة على الحريات العامة، في حين أن عدداً لا يتجاوز أصابع اليد يحاول لفت النظر إلى تصرفاته إما لكسب موكلين، أو للضغظ على أشخاص أو مؤسسات من أجل منافع معينة». وأضاف «نحن نطبّق القانون، ونحافظ على مبدأ الحريات العامة وحقوق الإنسان ولكن ضمن الأطر والأصول القانونية، وبعيداً عن الفوضى والاستغلال، والتأثير سلباً على الرأي عن طريق مهاجمة الزملاء وشتم بعضهم لبعض على وسائل الإعلام، وتوجيه النقد الهدّام للنقابة ولمجلس النقابة وللمحامين. فمن يريد أن يضع لنفسه دعاية، فليضعها عن طريق كفاءاته العلمية والقانونية، وليس عن طريق مهاجمة النقابة التي هي مظلّة الجميع. وفي مطلق الأحوال، القانون فوق الجميع والقضاء موجود لتطبيق القوانين».