هل تريد إسرائيل فعلاً تصدير أزمتها الداخلية إلى الخارج؟قبل فترة، كان النقاش قوياً داخل الكيان المحتل وخارجه حول طريقة تعامل حكومة بنيامين نتنياهو مع الأزمة السياسية الداخلية. وفي ظل تزامن الانقسام الحادّ مع التطورات النوعية في عمليات المقاومة في الضفة الغربية، كثرت الأسئلة عن احتمال لجوء العدو إلى خيار كهذا، وتوالت حول الساحة التي ستختارها إسرائيل لتنفيس احتقانها الداخلي ومحاولة إعادة الوحدة: غزة أم لبنان أم إيران؟
حتى اللحظة، لم يُحسم الجدل بشأن هذه الفرضية. ورغم أن الحسابات العقلانية تفيد بأن العدو لن يدخل مغامرة من هذا النوع، خصوصاً أن الموافقة الأميركية ضرورية على أمر كهذا، أعادت تطورات الأيام القليلة الماضية الملف إلى طاولة المعنيين. فقد أعلنت القيادات العسكرية والأمنية في كيان العدو، أمس، اكتشاف عملية نوعية تعتقد بأنها نُفذت بدعم أو بعناصر دخلت إلى الأراضي المحتلة عبر الحدود مع لبنان، مع سيل من التلميحات إلى علاقة لحزب الله بالأمر.
وبعد يومين من الغموض والتعتيم والإشاعات والسجالات الخفية، أعلن العدو في بيان أصدره الجيش والشاباك والشرطة أن العبوة الناسفة التي فجرت عند مفترق بلدة مجدو، وسط فلسطين المحتلة، نقلها مقاوم تم قتله برصاص وحدة خاصة أثناء انتقاله إلى مناطق الشمال. وأوضح البيان أن المقاوم تسلل من لبنان وعمد إلى زرع العبوة على بعد خمسين كيلومتراً من الحدود وفجّرها بهدف مدني، وعاد أدراجه شمالاً، قبل أن تكتشفه وحدة خاصة وتقتله. لكن البيان حافظ على «الغموض النوعي»، إذ أشار إلى أن هوية المقاوم لم يتم تحديدها، وأن التحقيقات لم تحسم بعد المعبر الذي دخل منه عبر لبنان، كما لم يتم بعد حسم ما إذا كانت لحزب الله علاقة بالأمر.
ردود الفعل على العملية والبيان بقيت محصورة داخل الكيان نفسه، حيث سادت مخاوف من تطور نوعي في العمليات ضد قوات الاحتلال في الضفة أو مناطق الـ 48، باستخدام نوع خاص من العبوات الناسفة، قال العدو إنها تذكره بعمليات المقاومة في جنوب لبنان. وانشغلت وسائل الإعلام الإسرائيلية ومواقع التواصل الاجتماعي بسيل من التعليقات والتحليلات التي سبقتها إشاعات حول حقيقة ما حصل، إضافة إلى بيانات عن استنفار قادة العدو وتأجيل زيارات خارجية واستدعاء وزراء من الخارج وتلميحات إلى درس الرد المناسب.
في لبنان لم يصدر أي تعليق على هذه المعلومات. ولا يبدو حزب الله، المعني قبل غيره، في وارد التعليق نفياً أو تبنّياً أو غير ذلك. لكن المقاومة التي تدرس واقع المؤسسات السياسية والعسكرية في كيان الاحتلال، تتحسّب لأي نوع من التهديدات أو حتى الأفعال المعادية، ولن يُسمع صوتها إلا في حال خروج اتهامات مباشرة أو تهديدات عن حكومة الاحتلال. عندها، سيكون لحزب الله موقفه الواضح. أما في حال إقدام العدو على أي عمل عسكري أو أمني في لبنان، فمن الواضح أن المقاومة سيكون لها ردها الواضح أيضاً.
لكن ما جرى يفتح باب الأسئلة حول حقيقة ما حصل من جهة، وخلفية القرارات التي اتخذها العدو، سواء للرواية الموزعة ولبعض التفاصيل فيها، خصوصاً أن البيان أبقى على مساحة واسعة من الغموض. وهو ما يثير جملة من الأسئلة:
هل علينا تصديق السردية التي أوردها البيان للحدث وما تلاه، وهل الوقائع التي وردت فيها صحيحة أم مختلقة؟
أي علاقة للحدث بإيقاع عمل القيادتين السياسية والأمنية والمواكبة الإعلامية للحدث من جهة، وبمحاولة حرف أنظار الرأي العام الإسرائيلي الداخلي في ضوء الضغوط الشعبية على حكومة نتنياهو، والمخاوف التي تعبر الأجهزة الأمنية عن استمرارها وتمددها وتأثيرها في المؤسسة العسكرية.
هل يهدف نتنياهو، ومعه المؤسسة الأمنية في كيان العدو، من وراء هذه الرواية التمهيد لرفع مستوى التوتر مع لبنان، أو ربما أكثر من ذلك، أم أن حجم الحدث كبير وخطير إلى درجة توجب هذه المخاوف لدى المعنيين في قيادة العدو؟
أبقى البيان على مساحة واسعة من الغموض ما يثير جملة من الأسئلة


وإذا افترضنا جدلاً أن رواية العدو صحيحة، فإن السؤال: لماذا يتسلل مقاوم من الحدود اللبنانية إلى منطقة مجدو الأقرب إلى شمال الضفة لتنفيذ عملية هناك؟ وإذا كان تفجير عبوة قد حدث فعلاً، فما هو الهدف الذي أوجب عبور كل هذه المسافة؟ وما هي حقيقة ما جرى ونتائجه؟.
يشير بيان العدو إلى أن المقاوم كان يحمل أسلحة وأحزمة ناسفة جاهزة للاستخدام وغيرها، فلماذا كل هذا العتاد مع شخص واحد، وإلى أين كان يتجه بها؟ وكيف يمكن فهم أن المقاوم شكل خطراً على الشاباك وقوات الجيش، وهل حصلت مواجهة معه؟
هل يعني اتجاه المقاوم نحو الشمال، بحسب ما زعم بيان العدو، أنه كان يريد تنفيذ عملية أخرى في مكان آخر، ولماذا يحمل هذه الأسلحة بعد تنفيذ عملية التفجير؟
وإلى ذلك، يأتي السؤال عن الفقرة التي تشير إلى أن الهجوم «يخضع لتحقيق موسع يجري فيه التحقيق أيضاً في تورط منظمة حزب الله».
عند هذه النقطة، يجب التنبه إلى مسائل كثيرة، من بينها أن العدو لا يبدو حاسماً في معلوماته حول هوية المنفذ وطريقة دخوله إلى الأراضي المحتلة. وقد يكون الأمر على هذا النحو، وربما يكون العكس، ليكون العدو في موقع من يمهد لإعلان إضافي لاحقاً، وهو بذلك يوحي لجمهوره، وللجمهور في لبنان، وباستخدام ماكينة إعلامية ضخمة لاتهام المقاومة في لبنان، بما يعتقد أنه مبرر كاف له للقيام برد عسكري أو أمني ضد لبنان.
وقد كان لافتاً أن قوات الاحتلال جهدت خلال الساعات الـ36 الماضية، لتهدئة مستوطني المناطق الشمالية. إلا أن إعلام العدو عاد إلى الحديث عن استنفار للجيش على الحدود مع لبنان، وأطل الوزير المجنون إيتمار بن غفير ليعلن: «استعدوا للحدث الذي قد يبدأ غداً»، إلى جانب أصوات قيادات من اليمين الحاكم تدعو إلى ضربات استباقية ضد قوى ودول محور المقاومة. وكان البارز فيها إشارة داني دانون، عضو الكنيست عن الليكود، إلى أن «المنظمات الإرهابية تختبرنا. بدأت حماس في رفع رأسها، ويضخ الجهاد الإسلامي وإيران كميات من الأموال في الضفة الغربية لتمويل الأسلحة، والاتفاق الإيراني - السعودي سيدر الأموال لإيران ويساهم في استقرار العملة الإيرانية، مما سيجعل المزيد من الأموال تذهب إلى الإرهاب، وتفيد التقارير بأن حزب الله يرسل الأموال إلى كتائب شهداء الأقصى في الضفة الغربية لإعادة بناء البنية التحتية، والهجوم على مجدو، هو بمثابة تجاوز لجميع الخطوط الحمر، وحان وقت اتخاذ قرار حاسم للرد على أعداء إسرائيل المتورطين في الحادث».