يُدرك النائب ميشال معوّض قبل داعميه أن ترشّحه لرئاسة الجمهورية لا يخرج عن إطار المناورة، وأنّ التصويت له في الوقت الضائع ليس إلا للقول إنّ لدى هذا الفريق مرشّحاً مُعلَناً مقابل أوراق بيضاء «مكتومة القيد» لثنائي أمل - حزب الله وحلفائه، وأنه متى التأمت الجلسة المقبلة لانتخاب رئيس للجمهورية، فإن من منحوه أصواتهم ذاهبون إلى خيارٍ آخر. بذلك تستقِرّ البورصة على اسمين لا ثالث لهما،: في العلن ثبّت الثنائي اسم سليمان فرنجية مرشحاً رسمياً، ومن تحت الطاولة يطبخ قائد الجيش العماد جوزيف عون معركته الرئاسية على نارٍ تتحكّم بها ظروفه الوظيفية التي تحول دون إعلان ترشيحه.«حلفاء الضرورة»، القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر والكتائب ومجموعة من النواب المستقلين، متفاهمون ضمناً كلٌّ لأسبابه على تعطيل وصول فرنجية إلى قصر بعبدا. لكنهم منقسمون بين مؤيّد للقائد وداعم لخيار ثالث. ولكن، ماذا لو ذلّلت الضرورة نفسها تناقضهم حيال اسم عون لينال 65 صوتاً في الدورة الثانية من أي جلسةٍ تُعقد بنصابٍ دستوري؟
البحث عن إجابة مردّه إلى «حسم» رئيس المجلس تعذّر انتخاب قائد الجيش من دون تعديلٍ دستوري لا تتوافر شروطه القانونية والسياسية راهناً، إذ يتطلّب انتخاب قائد الجيش لرئاسة الجمهورية تعديلاً للدستور يُطابق ما تنصّ عليه المادة 49 (...لا يجوز انتخاب القضاة وموظفي الفئة الأولى... مدة قيامهم بوظيفتهم وخلال السنتين اللتين تليان تاريخ استقالتهم وانقطاعهم فعلياً عن وظيفتهم أو تاريخ إحالتهم على التقاعد). و«هذه المُهَل لم توضع عبثاً»، يقول الوزير والنائب السابق بطرس حرب، إنما «أدخلناها في تعديلات الطائف الأخيرة للحؤول دون تسخير مؤسسات أو إدارات عامة، على رأسها المؤسسة العسكرية ومصرف لبنان، لتقديم خدمات للسياسيين لإرضائهم لكي يسهُل انتخاب من يتولاها رئيساً للجمهورية». إلا أنّ هذه التعديلات لم تُحترَم منذ إقرارها، إذ تكرّس بالممارسة بعد انتهاء كل ولايةٍ رئاسية وانسداد الأفق السياسي لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، أن يبرز على السطح طرح انتخاب قائد الجيش رئيساً باعتباره المخرج الأسهل. وقد بدأ هذا الاستسهال مع التعديل الأوّل للدستور لمصلحة قائد جيش، في تشرين الثاني 1998، لإيصال إميل لحود إلى قصر بعبدا.
أما «الخطيئة المميتة» بتعبير بطرس حرب، فكانت في 25 أيار 2008، يوم انتُخِب ميشال سليمان رئيساً للجمهورية من دون حتى تعديل المادة 49 من الدستور، وهو كان لا يزال يقوم بمهامه كقائد للجيش. شكّلت هذه السابقة خرقاً كبيراً للدستور، أخرجها رئيس المجلس نبيه برّي من قبّعة حلوله، مستنداً إلى مطالعة قانونية للوزير السابق بهيج طبّارة، تخطّى بموجبها المهلة الدستورية في المادة 73، معتبراً أنه طالما انقضت المهل ولم ينجح المجلس في انتخاب رئيس، تسقط جميع المهل حتى تلك المذكورة في المادة 49، ما أتاح له، بشكلٍ مخالف، تجاوز القيود المانعة لانتخاب موظفي الفئة الأولى ومنها قائد الجيش. تستّر الجميع يومها بمبررات فرضتها تسوية الدوحة بعد أحداث 7 أيار. يومها، نصّت التسوية على انتخاب سليمان من دون تعديل الدستور، كأحد عناوين الاتفاق الذي شمل بنوداً أعادت الانتظام إلى المؤسسات. ويروي حرب أنه طلب الكلام في جلسة الانتخاب للإشارة إلى وجوب تعديل الدستور، وتسجيل موقفٍ معارضٍ للخرق الحاصل، وسط جو احتفالي عربي ودولي حضر داخل البرلمان ليواكب عملية الانتخاب. كما صبّت مداخلة للرئيس الراحل حسين الحسيني في الاتجاه عينه، كما أيّدت النائبة نايلة معوض والنائب جورج عدوان بمداخلات مقتضبة هذا التوجّه. ويؤكد حرب أنه «بلغني أن بهيج طبارة قال في أحد مجالسه إنّه لم يندم في حياته المهنية والقانونية على استشارة أعطاها إلا هذه الاستشارة».
يُنقل عن بهيج طبارة أنه لم يندم في حياته المهنية إلا على الاستشارة التي قدّمها لانتخاب ميشال سليمان


هذه المرة، يحسم برّي بأن مثل هذه السابقة لن تتكرّر. لكن، ماذا لو صوّتت أكثرية 65 نائباً في الدورة الثانية من جلسةٍ بنصابٍ دستوري على انتخاب عون من دون تعديل الدستور؟ «سيتكرّر سيناريو ميشال سليمان، لأن رئيس المجلس ينطق باسم المجلس وقراراته المنبثقة من أكثرياته، ولا يمكنه إلغاء النتائج. لكن ذلك لا يعني أن الأمر دستوري»، يقول حرب. ويضيف: «كما تستطيع أكثرية النصف زائداً واحداً من الحضور الاعتراض على الآلية وطلب عدم انتخاب قائد الجيش من دون تعديل الدستور ورئيس المجلس ملزم بالسير برأيهم، بينما في عام 2008 لم تتوفر هكذا أكثرية ولا عدد نوابٍ كافٍ للطعن في النتيجة أمام المجلس الدستوري، لعدم رغبة أحد بتعكير أجواء التسوية».
وفي الاتجاه نفسه، يصبّ رأيَا الخبيرين في القانون الدستوري عصام إسماعيل ووسام اللحام، بإلزامية احتكام رئيس المجلس لنتائج التصويت، مقابل إمكانية الطعن أمام المجلس الدستوري خلال 24 ساعة من إعلان النتيجة، والذي يحتاج إلى ثلث أعضاء البرلمان أي 43 نائباً، وفق المادة 23 من قانون إنشاء المجلس الدستوري. ويشير إسماعيل إلى أن أقصى ما يمكن لرئيس المجلس فعله هو فقط الإيحاء للنواب في مستهلّ الجلسة أنه لا يمكنهم الانتخاب خلافاً للمادتين 74 و49، من دون أن يكون كلامه إلزامياً في حال اتخذوا قرارهم بمخالفة الدستور وانتخاب جوزيف عون.