يُحمّي تيار المستقبل سكينه بهدوء لـ«تخليص» حسابات الانتخابات النيابيّة الأخيرة. الصفح عمّن تمرّد على قرار الرئيس سعد الحريري بمقاطعة الاستحقاق لم يعد من «شيَم» التيّار. هذا ما يبدو واضحاً من تعامل «الحريريين» مع انتخابات اتحاد جمعيّات العائلات البيروتيّة التي يفترض إجراؤها يوم الجمعة. ما يؤرق الأمين العام للتيّار أحمد الحريري هو كيفيّة «كسر شوكة» رئيس «الاتحاد» الحالي محمّد عفيف يمّوت والرئيسين السابقين محمّد أمين عيتاني ومحمّد خالد سنو ثأراً من اصطفافهم خلف الرئيس فؤاد السنيورة في انتخابات 2022.«بلع» الحريري قول النائب فؤاد مخزومي خلال لقاء لفاعليات بيروتية قبل أيّام بأنّ تيار المستقبل «مرحلة وانتهت»، وأنّ «النتيجة الجيّدة التي أفرزتها الانتخابات هي وجود نواب من العاصمة لا ينتمون إلى التيار». وصل هذا الكلام إلى «البريد الأزرق» فقرّر التعامل معه كأنه لم يكن، إذ لا يمانع «الحريريون» بالقفز على حساسياتهم تجاه رئيس حزب الحوار الوطني، وربما التحالف معه وتلبية مطالبه، لأنّ الأولويّة هي ردّ الصاع لـ«تريو الرؤساء».
لذلك، ما إن تنامى إلى «الحريريين» أن الرؤساء ينوون تشكيل لائحة مطعّمة بمرشحين يدورون في فلك «المستقبل» (كوليد دمشقيّة وعدنان المصري ولينا دوغان...)، حتّى استنفر «التيّار» وبدأ اتصالاته لثنيهم عن الترشّح. ويقول متابعون إن بعض هذه الاتصالات تضمّن أسلوباً «مُلطّفاً» من الترغيب والترهيب، إذ إن البعض ذُكّر بوظيفته في القطاع العام، والبعض الآخر بالانتخابات البلدية والاختياريّة التي يسعون إلى المشاركة بها. وتبلّغ بعض ثالث بوضوح أن قرار القيادة واضح بعدم فتح باب التفاوض مع «تريو الرؤساء» تحت أي ظرف.
صحيح أنّ بعض «المستقبليين» يلمّحون إلى وجود غطاء من سعد الحريري لقراراتهم، إلا أنّ ما يحصل يشي بعكس ذلك. ففي وقت يُحاول فيه المقرّبون من أحمد الحريري «خربطة» أيّ محاولة توافقية بين الفرقاء، يسعى رئيس جمعيّة بيروت للتنمية الاجتماعيّة أحمد هاشميّة إلى التوافق، ويتصل بالمتابعين المقربين من المستقبل لحثّهم على تخفيف الاحتقان مع الـ«تريو»، ولكن من تحت الطاولة، حتى لا يظهر هاشميّة كأنه يعمل بأجندة تُعارض أجندة «الشيخ أحمد».
المستقبل متحالفاً مع مخزومي ومستقلّين لن يتمكّن من إلحاق الهزيمة بـ«تريو الرؤساء»


مساعي هاشميّة ليست فقط رغبة بـ«الحرتقة» على أحمد الحريري، وإنمّا تستند إلى دراسة لواقع الأرض. إذ إنّ المستقبل متحالفاً مع مخزومي ومستقلّين لن يتمكّن من إلحاق الهزيمة بـ«تريو الرؤساء» وخصوصاً أنّ عمليّات التشطيب من قبل الفريقين متوقّعة، وبالتالي ستُصبح النتائج متقاربة ولن يتمكّن أيّ فريق من الإتيان برئيسٍ أو حتى هيئة إداريّة محسوبة عليه بأكثريتها، ما سيزيد الخلافات ويُعرقل العمل طوال فترة الولاية الجديدة.
لذلك، أعاد التشنّج نهاية الأسبوع الماضي خلط الأوراق داخل «الاتحاد»، وتداعى مستقلون إلى اجتماعٍ السبت في «غلاييني فيلاج»، حضره أكثر من 20 مرشحاً محسوبين على الطرفين. اللقاء «أعاد الحياة» إلى مساعي التوافق التي يعمل عليها أكثر من طرف، وخصوصاً أنّ بعض الكلمات أشارت إلى ضرورة عدم الذهاب نحو «معركة كسر عظم» ستكون عائلات «الاتحاد» على اختلاف انتماءاتها الخاسر الأكبر فيها. وعلمت «الأخبار» أن اجتماعاتٍ مكثفة عقدت أمس بين جلال كبريت عن تيار المستقبل، وفوزي زيدان عن مخزومي، ومحمّد خالد سنو عن رؤساء الاتحاد المتعاقبين، من دون التوصّل إلى نتيجة محسومة، وخصوصاً مع تمسّك المستقبل ومخزومي بأن يكون محيي الدين كشلي رئيساً للائحة، فيما يصرّ «تريو الرؤساء» على اسم وائل التنير، وبحماسةٍ أقلّ طرح اسم عبد الرحمن الحوت.
وفي حال عدم نجاح هذه المساعي، يشير متابعون إلى أنّ الأرجح أن يُشكّل الرؤساء لائحة يرأسها التنير، وتطعّم بمستقلّين، لتنافس لائحة يرأسها كشلي بدعمٍ من مخزومي والمستقبل وحركة المستقلين. وإذا كان البعض قد أشار إلى أن مخزومي اشترط أن يكون قريبه باسم نعماني نائباً للرئيس، فإن البعض يؤكّد أن نائب الرئيس سيكون من حصة المستقلين وتحديداً الكابتن عماد حاسبيني، وخصوصاً أن رئيس حزب الحوار الوطني اشترط أن يكون له ممثل في صندوق الاتحاد حتّى لا تتكرّر حوادث الاختلاس. وأقنع مخزومي هؤلاء بنظريته حينما أشار إلى أنّه لن يُقدّم مساعدات ماليّة إلى «الاتحاد» إلا إذا كان الصندوق في عهدة أحد المقرّبين منه!