من دون توقف، يتنقّل العدو الإسرائيلي بورشة تحصيناته الأمنية على طول الحدود الجنوبية. أول من أمس، بدأت الجرافات أعمال الحفر لتجهيز خنادق لتدعيم السياج الشائك في بلدة البستان (قضاء صور) في القطاع الغربي، بعد تسجيل عمليات تسلل لأشخاص. ورشة البستان بدأت بعد الانتهاء من ورشة مماثلة في حولا انتهت الأربعاء. كما سبقتها أشغال في تلة الراهب قبالة عيتا الشعب وعديسة والمطلة ووادي هونين، على أن تنتقل لاحقاً إلى كروم الشراقي في خراج ميس الجبل، واستكمال مدّ السياج الشائك بين وادي هونين والعباد. وتشمل التحصينات تدعيم السياج الشائك في المناطق التي لا تزال مفتوحة لناحية الأراضي الفلسطينية المحتلة لمنع تسلل الأشخاص. علماً أن العدو علّق تشييد الجدار الإسمنتي الذي يخطط لرفعه على طول الحدود من مزارع شبعا المحتلة إلى رأس الناقورة لدواع تمويلية وأمنية. وكانت المرحلة الأولى من الجدار قد نُفذت عند بوابة فاطمة (جدار كفركلا) عام 2012، فيما أعلن العدو عام 2018، عن استكمال تشييده باتجاه عديسة نزولاً إلى القطاعين الأوسط والغربي. وفي المقابل، أقامت المقاومة أبراجاً في نقاط متعددة على بعد أمتار من الحدود.أعمال الجرف والتسييج التي نُفذت عند تلة العباد الأسبوع الجاري، كانت فرصة لشبان حولا للثأر لشهداء المجزرة التي ارتكبها العدو في البلدة عام 1948، وللظلم الذي عانته خلال سنوات الاحتلال. عند أحد سفوح تلة العباد، حيث يقع الموقع الإسرائيلي الضخم قبالة مستعمرة كريات شمونة، مدّ العدو أسلاكاً شائكة بين البراميل الزرقاء التي تحدد معالم الخط الأزرق. في حقل مليء بأشجار التين والسنديان والملول المعمرة، وقف الجنود المدجّجون بأسلحتهم والمحميون برشاشات القناصة وفوهات الميركافا، وجهاً لوجه ومن دون حاجز مع جنود الجيش اللبناني وشبان من حولا حضروا ليتفرجوا على مذلة إسرائيل التي لا تُقهر. أحد الشبان تنمّر على الجنود الخائفين وآخر مدّ رجله في وجوههم. شاب آخر دفع بأحدهم، فيما تمكن أحد الشبان من سحب مخزن رشاش أحد الجنود المكلفين بالمراقبة والحماية!.
لم يرفعوا رشاشاتهم في وجوهنا. بل كانوا مربكين، ينهون عملهم بسرعة بحماية مدرعاتهم وقوات اليونيفل


على تطبيق (تيك توك)، حوّل سهاد قطيش (48 عاماً) الأشغال المعادية إلى مسلسل كوميدي. نشر مقاطع مصوّرة وهو يهزأ بالجنود المشاركين في الجرف والحفر والتدعيم والحماية. رصد وجوههم المتعبة وعيونهم الخائفة. في الأيام الماضية، كانت المرة الثانية التي يقف فيها وجهاً لوجه مع الجنود الإسرائيليين. المرة الأولى كانت بعد تحرير بلدته. كان من بين الذين تفقّدوا القبر المنسوب إلى أحد العبّاد أو الزهّاد فوق التلة المرتفعة. ترسيم الخط الأزرق حينها شطر القبر نصفين، قبل أن يستحدث العدو موقعاً ضخماً. «إثر التحرير، كان الجنود فوق القبر يتأهبون في وجوهنا. يفرضون رهبتهم ويصوّبون رشاشاتهم لتخويفنا وإبعادنا. أما الآن، وبعد 23 سنة، فقد شعرت فعلاً بأن إسرائيل انتهت. لم يكن من حاجز بيننا. لم يرفعوا رشاشاتهم في وجوهنا. بل كانوا مربكين، ينهون عملهم بسرعة بحماية مدرعاتهم وقوات اليونيفيل». يشعر قطيش بغبطة غير مسبوقة. «كأنه حلم تحقق أخيراً. ثأرت لشقيقتي وأربعة من أشقائي الذين اقتادتهم إسرائيل وعملاؤها إلى معتقل الخيام. وثأرت لشهداء مجزرة حولا التي ارتكبتها عصابات الهاغاناه ضد الأهالي العزّل انتقاماً لدعمهم جيش الإنقاذ العربي الذي حضر لنصرة فلسطين بعد النكبة». من حوله، جلس أبناؤه الذين نشأوا بعد عدوان تموز 2006، يفرحون لمقارعة والدهم لجنود العدو، لكنهم لا يفقهون أثر الحلم الذي حقّقه بوقفته. «هم لا يعرفون إلا إسرائيل الأوهن من بيت العنكبوت. أما أنا فأعرفها في عزها الذي عشنا تحت نيره 22 عاماً. لا أنسى خوفي وأنا طفل من دبابة الميركافا التي كانوا يسمونها دبابة الرب وهي تقتحم بلدتنا مع العملاء لاعتقال إخوتي وأقاربي وجيراني. أنا ملدوغ منهم. كنت كالمثل القائل: مجروح وطالع عالكروم. فشّيت خلقي وشمتّ بهم».
إلى جانب أنقاض أحد مواقع مجزرة 1948، يجلس محمد مصطفى (87 عاماً)، مبتسماً وهو يتابع أخبار التحصينات الإسرائيلية. الناجي من المجزرة لا يستغرب حماسة شبان البلدة للتشويش على الورشة المعادية في العباد، ويوقن أن العدو لن يمسّهم. «إسرائيل عارفة مين في وراهم. إنها المقاومة. لن تجرؤ على المسّ بأيّ منهم، مهما فعل. سواء سحب جعبة أحد جنودها أو رماهم بحجر». يحفظ مصطفى موقع الأشغال بدقة. «إنه جلّ بيت قطيش المقابل لقلعة هونين. كنا نقصده صغاراً لنمشي بين أشجار التين. فكيف أصبح خلف الخط الأزرق وضمن (الأراضي الإسرائيلية)، ما دام التين نفسه على جانبي الخط؟».