على آخر نفس، وصل علي إلى المستشفى حيث لفظ أنفاسه الأخيرة بعد رحلة أوجاع دامت أياماً في البيت، كان يُسكتها بالمسكّنات. لم يجرؤ على زيارة المستشفى إلا بعدما بات المسكّن كشربة ماء... وفات الأوان. ففي اللحظة التي وصل فيها إلى قسم الطوارئ «كان عامل الجرحة»، يقول نقيب أصحاب المستشفيات الخاصة في لبنان، سليمان هارون.مات علي، ومثله مات آخرون، استسلموا للأوجاع في بيوتهم، بعدما أصبح الدخول إلى المستشفى ترفاً لا يملكه إلا من يملك المال. ليس هذا الموت استثنائياً، فمع غلاء فواتير الاستشفاء، لم يعد من المستغرب أن تقع حوادث مماثلة، وخصوصاً أن المرضى باتوا يحسبون حسابات كثيرة قبل التفكير في الذهاب إلى المستشفى أو حتى إلى عيادة الطبيب. واللافت أن هذه الحوادث أصبحت مرئية أكثر، حيث يشير هارون إلى ازدياد في الحالات التي تصل إلى المستشفيات «ع آخر نفس»، وفي غالبيتها حوادث خطيرة. وهكذا، لم يعد مستغرباً مثلاً أن تُبتر قدم مصاب بالسكّري لأنه تأخر عن تلقي العلاج، وقد حدث ذلك في أحد المستشفيات، يؤكد هارون، أو أن يموت مريض بسبب عارض في القلب لم يؤخذ في الحسبان. وبحسب هارون «هناك الكثير من الحالات مثلاً التي تصل إلى المستشفى، يكون صاحبها قد أصيب بذبحة قلبية أو مصاباً بألم شديد في البطن، ليتبيّن بعد الفحوص حصول أشياء خطيرة مثل تسكير المصران». عوارض يمكن تفاديها، إلا أن فقدان الناس القدرة التي تمكّنهم من زيارة المؤسسات الصحية، وعجز الصناديق الضامنة عن تأمين أبسط الحقوق للمنتسبين إليها بعدما باتت الفوارق بين ما تدفعه للمستشفيات وما تفوتره الأخيرة يقاس بـ«سنوات ضوئية»، كل ذلك يجعل ما كان مستحيلاً سابقاً أمراً واقعاً اليوم. وهذه نتيجة مباشرة حتمية للانهيار.
الأزمة انعكست بدورها على أعداد الأسرّة المشغولة في المستشفيات، إذ لامس الانخفاض في الإشغال الـ60%. وهذا يعني أن ما هو مشغول حالياً يُقدّر بحوالى 40% في أحسن الأحوال وأحياناً أقل من ذلك، بعدما انخفضت أعداد المرضى من 6 آلاف تقريباً إلى 4 آلاف، أو 3 آلاف و500 مريض في أحيان أخرى. وقد دفع هذا الأمر بعدد كبير من المستشفيات إلى اتّخاذ إجراءات عملانية تتجلى اليوم في تقليص الأقسام، بحسب هارون، بحيث تعمد المستشفيات إلى التخفيف من عدد الأسرّة في الأقسام لديها إلى حدود النصف. وفي الأسباب المباشرة، يشير هارون إلى النتيجة البديهية التي تتعلق بانخفاض أعداد طالبي الاستشفاء، فيما الأسباب الأخرى تعود إلى عدم قدرة المستشفيات على تشغيل الأقسام، ولذلك «تعمد إلى هذه الإجراءات للتخفيف من الأكلاف التشغيلية من كهرباء وفريق عمل وخدمات طبية». يضاف إلى ذلك، السبب الثالث الذي لا يقلّ أهمية والمتعلّق بانخفاض الاختصاصيين في بعض الأقسام والكادر التمريضي على وجه الخصوص. وإن كان التقشّف يطاول، بحسب نقيب أصحاب المستشفيات الخاصة، كلّ الأقسام بلا استثناء، إلا أن ثمة أقساماً متضرّرة أكثر من غيرها، وقد وصل التقشّف في بعضها إلى حد الدمج ضمن أقسام أخرى. وفي هذا السياق، يمكن الحديث عن أقسام الجراحة التي انخفضت أعداد الأسرّة فيها بشكل ملحوظ، ومثلها أيضاً غرف العنايات الفائقة للأطفال. فعلى الرغم من الأزمة في تلك العنايات، لكونها «لا توجد في كلّ المستشفيات، ولدينا مشكلة فيها في الأساس، تأتي الأوضاع الحالية لتزيد الطين بلّة، حيث تتناقص أعداد الأسرّة فيها قسرياً اليوم بسبب معداتها وأكلافها التشغيلية الباهظة والنقص في الاختصاصيين المتوافرين لتشغيل هذه الأقسام»، يختم هارون.