لا يكاد يمر يوم من دون أن يقوم جيش العدو الإسرائيلي وعملائه في فلسطين المحتلة بعمليات غدر وإعدام، في الضفة الغربية وغزة المحاصرة والقدس، أو بالقصف والغارات الجوّية على سوريا. وبالتالي، لا يجد العدو حرجاً في «تشريع» ذلك في برلمانه. فقد أبدى الكنيست، المؤلف من ثلّة صهاينة مجرمين لُطّخت أيديهم بالدماء، موافقته الأوّلية بغالبية 55 صوتاً مقابل 9 على مشروع قانون إنزال «عقوبة الإعدام في جرائم الإرهاب». وكان «قانون مكافحة الإرهاب» في الكيان العبري قد صدر عام 2016 معرّفاً مقاومة الاحتلال بشتى الوسائل المتاحة بـ«الإرهاب». هكذا أصبح الإرهابي الصهيوني مشرّعاً وقاضياً يدين «الإرهاب» ويعدم «الإرهابيين». فقد قرر الكنيسيت، على ما يبدو، أن يخلع قفازاته ليشهر يديه الملطختين بالدماء ليربط حبل المشنقة حول أعناق من أصرّ على ممارسة حقّه بمقاومة الاحتلال بكل الوسائل المتاحة
في 16 كانون الثاني الفائت، تقدّم أعضاء الكنيست عوتسما يهوديت وليمور سون هار ملك والوزير السابق أوديد فورر، بمشروع قانون يشرّع إعدام المقاومين باعتبارهم «إرهابيين». وحظي المشروع بتأييد واسع شمل وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير وزعيم حزب إسرائيل بيتنا الوزير السابق أفيغدور ليبرمان ورئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو. ولا شك في أن المشروع يحظى كذلك بدعم واسع في أوساط المستوطنين والمجتمع الإسرائيلي بشكل عام. إذ إن استطلاع الرأي الذي أجرته جامعة تل أبيب كان قد أظهر أن 69.8٪ من الإسرائيليين «يؤيدون إصدار أحكام بالإعدام بعد محاكمة فلسطينيين قتلوا إسرائيليين لأسباب قومية». والمقصود بـ«الأسباب القومية» هو السعي للتحرّر من الاحتلال وممارسة «الحق الطبيعي في الدفاع عن النفس» كما ورد في ميثاق الأمم المتحدة (المادة 51، الفصل السابع).
في 26 شباط الفائت، كرر نتنياهو الدعوة إلى إعدام الفلسطينيين بعد هجوم شنّته المقاومة الفلسطينية، أدى إلى مقتل مستوطنَين إسرائيليين مسلّحَين (هليل وياغل يانيف) في مدينة حوارة (الضفة الغربية). وقال نتنياهو يومها مهدداً الشعب الفلسطيني: «نحن نتحرك ضد الإرهاب بكل الوسائل: القمع، والعقاب والآن أيضاً تشريع يتضمّن قانوناً لترحيل عائلات الإرهابيين من إسرائيل، وقانون عقوبة الإعدام للإرهابيين». إذ تنصّ بنود مشروع القانون الجديد، الذي يحظى بدعم نتنياهو، على إصدار حكم إلزامي بالإعدام على أي فرد «أُدين بارتكاب أعمال إرهابية متعمّدة أو القتل غير المباشر للإسرائيليين بسبب أعمال عنصرية أو مناهضة للدولة تهدف إلى الإضرار بالدولة» أو «طرد الشعب اليهودي من بلده الأم بحسب كتاب التوراة». ولا شك أن المقصود بالإرهاب وبـ«القتل غير المباشر» و«مناهضة الدولة»، كل أنواع وأشكال مقاومة الاحتلال ولا يقتصر على العمل المسلّح. علماً أن القانون الدولي يشرّع الحق في مقاومة الاحتلال بكل الوسائل المتاحة بما في ذلك العمل المسلّح. ونشير هنا إلى أن الجمعية العمومية للأمم المتحدة كانت قد كرّست هذا الحق (الفقرة السابعة من القرار رقم 3314/1974)، إذ إن العدو الإسرائيلي يفرض على الشعب الفلسطيني نظاماً "استعمارياً وعنصرياً". وبالتالي، من حقه "الكفاح" ومن حقه "التماس الدعم وتلقّيه" لمواصلة الكفاح المسلّح.

«إرهاب» التلويح بالعلم
بعد مراجعة نص القانون الإسرائيلي لمكافحة الإرهاب (2016) يتبيّن أن المشرّع الإسرائيلي يسعى بجهد لإضفاء الصفة الشرعية على الجرائم التي يرتكبها جيش الاحتلال بحق الفلسطينيين وبحق كل من يتجّرأ على ممارسة حقّه القانوني الدولي بمقاومة الاحتلال والدفاع عن النفس. فبالإضافة إلى العضوية «في منظمة إرهابية محددة»، يجرّم القانون الإسرائيلي لمكافحة الإرهاب كل من يقدّم «خدمة أو موارد لمنظمة إرهابية، حيث قد يساعد ذلك أو يعزز نشاط المنظمة» (المادة 23). كما يجرّم كل من «يرتكب فعلاً من أفعال التماثل مع منظمة إرهابية، بما في ذلك، عن طريق نشر عبارات المديح أو الدعم أو التعاطف، والتلويح بعلم أو عرض أو نشر رمز أو عرض أو تشغيل أو نشر شعار أو نشيد» (القسم 24)، وكل من «يجعل الموارد متاحة للآخرين في الظروف التي تسهّل القيام بذلك، بشكل مباشر أو غير مباشر، لارتكاب جريمة إرهابية» (المادة 25).

الإعدام منذ 1948
كان العدو الإسرائيلي قد تبنّى عقوبة الإعدام عند تأسيس «دولة إسرائيل» عام 1948، وفي العام نفسه أُعدم ضابط في جيش العدو يدعى مئير توبيانسكي رمياً بالرصاص بعد إدانته بالخيانة. لكن تمّت تبرئة توبيانسكي بعد سنة على إعدامه واعتُبرت التهم الموجّهة إليه باطلة. وفي عام 1954، ألغى الكنيست عقوبة الإعدام شكلياً من دون أن يلغيها بالفعل، إذ استثنى إعدام المدانين بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وجرائم «ضد الشعب اليهودي» والخيانة. فالإسرائيلي الذي يتمادى بارتكاب الجرائم ويُمعن بالاعتداء على الفلسطينيين والأردنيين والسوريين واللبنانيين والمصريين والتونسيين والعراقيين وغيرهم، يسعى دائماً إلى تجميل صورة «إسرائيل» وإظهارها دولة ديموقراطية يحكمها نظام عادل ومنصف، بينما العكس هو الصحيح. فهي في الحقيقة كيان احتلال تحكمه العنصرية وسياسات الأبارتايد والإجرام المتمادي بحق الأبرياء.
يحق للشعب الفلسطيني، استناداً إلى قرار الجمعية العمومية للأمم المتحدة، {الكفاح} و{التماس الدعم وتلقّيه} لمواصلة الكفاح


عام 1962، أَعدم الإسرائيليون الضابط الألماني النازي أدولف أيكمان بعد اختطافه في الأرجنتين ونقله سراً إلى فلسطين المحتلّة لمحاكمته. أدين أيكمان حينها بارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب و«جرائم ضد الشعب اليهودي» والانتماء إلى منظمة إجرامية. وللسخرية، فقد أدانه الإسرائيليون بجرائم ارتكبها خلال الحرب العالمية الثانية، بينما يقوم جيش العدو الإسرائيلي بارتكاب تلك الجرائم بشكل شبه يومي في فلسطين المحتلّة. واعتُبر الضابط الألماني، من قِبل مهندسي تصفية الشعب الفلسطيني وسلب ممتلكاته وأرضه،«مهندس المحرقة التي قُتل خلالها ستة ملايين يهودي».

سجالات بين أركان العدو
المدّعية العامة الحالية في كيان العدو غالي بهاراف ميارا والمدّعي العام السابق أفيخاي ماندلبليت، أفادا أن «عقوبة الإعدام لا تردع الإرهابيين الذين يعرفون بالفعل أن احتمال وفاتهم أثناء هجومهم مرجّح». وقالت ميارا إن «الإعدام لن يكون بمثابة رادع، بخاصة عندما يكون الجناة ذوي دوافع أيديولوجية ومستعدين لقبول القتل على أي حال».
لطالما ضغط اليمين الإسرائيلي وبعض من هم في «المعارضة» حالياً، من أجل قانون يفرض «عقوبة الإعدام على الإرهابيين»، لكن جهودهم باءت بالفشل من دون دعم كافٍ وبسبب مسائل قانونية. ففي عام 2017، اقترح رئيس حزب «يسرائيل بيتينو» أفيغدور ليبرمان مشروع قانون يتيح للمحكمة إعدام أي إرهابي أدى هجومه إلى وفاة إسرائيليين. كما ضغطت وزيرة العدل السابقة في الكيان الصهيوني أييليت شاكيد لفرض عقوبة الإعدام على أي «هجوم يؤدي إلى وفاة طفل». علماً أن جيش العدو الإسرائيلي قتل أكثر من 34 طفلاً خلال العام الفائت وحده. ولا شك أن الوزيرة المعادية لم تكن تقصد هؤلاء الأطفال إذ إن سياسة الأبارتايد تملي عليها التمييز والتشويه والكذب.




التحضير لإعدام الأسرى


تدل هذه الوثيقة الصادرة عن «مصلحة السجون الإسرائيلية» في 29 كانون الأول 1983، بعنوان «إجراءات معاملة السجناء المحكوم عليهم بالإعدام» إلى أن العدو الإسرائيلي يتعامل مع الأسرى على أساس أنهم سيعدمون ولو تأخّر الموعد. علماً أن من اختار مقاومة الاحتلال والمضي في الكفاح المسلّح لا يخشى أو يتردد في أن يرتقي إلى الشهادة.


الكفاح حقّ
عن تعريف "العدوان"، المادة السابعة: "ليس في هذا التعريف (...) ما يمكن أن يمس على أي نحو بما هو مستقى من الميثاق من حق في تقرير المصير والحرّية والاستقلال للشعوب المحرومة من هذا الحق بالقوة والمشار إليها في إعلام مبادئ القانون الدولي المتّصلة بالعلاقات الودّية والتعاون بين الدول وفقاً لميثاق الأمم المتحدة، ولا سيما الشعوب الخاضعة لنظم استعمارية أو عنصرية أو لأشكال أخرى من السيطرة الأجنبية، أو بحق هذه الشعوب في الكفاح من أجل ذلك الهدف وفي التماس الدعم وتلقيه." (قرار الجمعية العمومية للأمم المتحدة رقم 3314/1974)



الدفاع عن النفس
ميثاق منظمة الأمم المتحدة: "ليس في هذا الميثاق ما يضعف أو ينتقص الحق الطبيعي للدول، فرادى أو جماعات، في الدفاع عن أنفسهم إذا اعتدت قوة مسلحة على أحد أعضاء الأمم المتحدة وذلك إلى أن يتخذ مجلس الأمن التدابير اللازمة لحفظ السلم والأمن الدولي" (المادة 51، الفصل السابع)