في ظل الأزمة المالية، ومع ارتفاع مؤشر الفساد والتهرب الضريبي والعجز الكبير في مختلف القطاعات وازدياد الدين العام، يؤدي التدقيق الجنائي دوراً أساسياً لكشف الارتكابات المالية والانتهاكات القانونية في عمل الإدارات والمؤسسات العامة والصناديق، عبر تحديد طرق إنفاق المال العام وحجم الخسائر والمسؤولين عنها. وبحسب مؤشّر مدركات الفساد لعام 2022، الصادر عن منظمة الشفافية الدولية، يحتلّ لبنان المرتبة الـ 150عالميّاً، من بين 180 دولة يتضمّنها المؤشر، مسجّلاً تراجعاً كبيراً على درجات المؤشر، إذ انخفض ست نقاط منذ عام 2012 ليسجل 24 من أصل 100 (مقياس يتراوح من 0 [فاسد جداً] إلى 100 [نظيف جداً]).من جهة أخرى، هناك عوامل عدة تعيق الكشف عن الاحتيال المالي ككمية البيانات الهائلة، وندرة مهارات التحليل الجنائي، والكلفة الباهظة للتكنولوجيا والتدريب. والأهم من ذلك كله، توافر النية الصادقة للتدقيق والإصلاح والابتعاد عن الاستنسابية والانتقائية. ومن الضروري التحقيق في التفاصيل الدقيقة بعد جمع الأدلة المهمة من مصادر عدة لضمان استقراء الأدلة الشاملة وتلخيصها، ومن ثم التحليل ومعالجة البيانات من دون الاعتماد على التخمين والنمذجة القائمة على الافتراضات المحدودة.

ماذا يعني التدقيق الجنائي؟
التدقيق الجنائي هو عملية «فحص السجلات المالية» لاستخلاص الأدلة التي يمكن استخدامها في محكمة قانونية أو إجراء قانوني. يتم إجراء تحقيقات التدقيق الجنائي لعدة أسباب، بما في ذلك قضايا الفساد، حيث يبحث المدقق عن حالات الرشوة، الابتزاز و«تضارب المصالح». في هذه الحالة، يستخدم «المرتكب» نفوذه لتحقيق مكاسب شخصية ضارّة بالإدارة أو المؤسسة. على سبيل المثال، إذا وافق المدير على مصاريف غير دقيقة لموظف تربطه به علاقات شخصية. فرغم أن المدير لم يستفد مالياً بشكل مباشر من هذه الموافقة، إلا أنه يُعتقد أن من المحتمل أن يتلقى منافع شخصية بعد إجراء مثل هذه الموافقات غير الملائمة.
في التدقيق الجنائي في قضايا اختلاس الأصول، يبحث المدقق عن اختلاس النقد، وإنشاء فواتير مزيفة، والمدفوعات المقدمة لمورّدين أو موظفين غير موجودين، وإساءة استخدام الأصول. وإلى جانب ذلك، يكشف التدقيق الجنائي عن قضايا «الاحتيال في البيانات المالية» التي قد تقدمها بعض المؤسسات في محاولة لإظهار الأداء المالي للإدارة على أنه أفضل مما هو عليه بالفعل. وقد يكون الهدف من تقديم أرقام احتيالية تحسين السيولة عبر تزوير متعمّد للسجلات المحاسبية، أو حذف المعاملات (إما الإيرادات أو النفقات)، أو عدم الكشف عن التفاصيل ذات الصلة من البيانات المالية، أو عدم تطبيق معايير التقارير المالية المطلوبة.

إجراءات التدقيق الجنائي
يتضمن التدقيق الجنائي خطوات إضافية عن تلك التي يتم إجراؤها خلال إجراءات التدقيق الروتينية. وبالتالي، من الضروري أن يحصل المدقق الجنائي على تدريب خاص في تقنيات التدقيق الجنائي وفي الجوانب القانونية لقضايا المحاسبة:

أولاً: وضع خطة التحقيق
يخطط المدقق الجنائي لتحقيق أهداف مثل:
• تحديد نوع الاحتيال
• تحديد الفترة الزمنية التي حدث خلالها الاحتيال
• استطلاع أساليب تمويه وإخفاء الاحتيال
• تحديد المشتبه به في عملية الاحتيال
• تحديد الخسائر المتكبدة بسبب الاحتيال
• جمع الأدلة ذات الصلة التي يمكن قبولها في المحكمة
• اقتراح التدابير التي يمكن أن تمنع الاحتيال في المؤسسة في المستقبل

ثانياً: جمع القرائن والأدلة
من الضروري أن تكون الأدلة التي تم جمعها كافية بما يكفي لإثبات هوية المشتبه به (م) في المحكمة، والكشف عن تفاصيل مخطط الاحتيال، وتوثيق مبلغ الخسارة المالية المتكبدة والأطراف المتأثرة بالاحتيال. سيساعد التدفق المنطقي للأدلة المحكمة في فهم الاحتيال والأدلة المقدمة. ومن المهم أن يتخذ المدقق الجنائي الاحتياطات لضمان عدم إتلاف المستندات والأدلة الأخرى التي تم جمعها أو تغييرها من قبل أي شخص. وتتضمن الأساليب المستخدمة لجمع الأدلة في التدقيق الجنائي:
• التقنيات الموضوعية: مراجعة المستندات، الجرد المادي، سجلات المحاسبة المالية، إجراء مقابلات مع الموظفين المعنيين.
يبحث المدقق عن الاختلاس والفواتير المزيفة والمدفوعات لموظفين غير موجودين وإساءة استخدام الأصول


• الإجراءات التحليلية: تُستخدم لمقارنة الاتجاهات خلال فترة زمنية معينة أو للحصول على بيانات مقارنة من قطاعات مختلفة
• تقنيات التدقيق بواسطة التكنولوجيا الرقمية التي يمكن اللجوء إليها لتحليل الملفات والحسابات المالية
• تكوين مفهوم دقيق للضوابط/ العوامل الداخلية واختبارها لتحديد الثغرات التي سمحت بارتكاب الاحتيال.

ثالثاً: إعداد التقارير ووضع الخلاصات
• يتضمن التقرير نتائج التحقيق، وملخصاً للأدلة، وشرحاً لكيفية ارتكاب الاحتيال، واقتراحات حول كيفية تحسين الضوابط الداخلية لمنع مثل هذه الاحتيالات في المستقبل.
• من المفترض أن يكون المدقق الجنائي حاضراً أثناء إجراءات المحكمة لشرح الأدلة التي تم جمعها وكيفية التعرف على المشتبه به.
• من الضروري تبسيط القضايا المحاسبية المعقدة والشرح بلغة الشخص العادي ليتمكن الأشخاص الذين ليس لديهم فهم للمصطلحات المحاسبية من فهم الاحتيال الذي تم تنفيذه.