يحمل المهندس الإنشائي سليم الشّمالي الوطن على كاهله. يخاف نهايته. يقول: «خدمنا عسكريتنا، والحمل عليكم الآن». خرّيج أحد أعرق برامج الهندسة في فرنسا، يحاصر نهر أنطلياس منزله عن سابق رضا وتصميم منه. هو الذي أقفل مكتبه الهندسي منذ ثلاث سنوات، ولكنّ الأحداث الزلزالية الأخيرة أعادته إلى العمل بعد تقاعد فرضته الأزمة الاقتصادية عام 2019، فيسجّل على مفكرته مواعيد الكشف المجاني الذي يجريه على الأبنية لطمأنة الناس على حال بيوتهم وأبنيتهم.
سيرة ذاتية
عمل في لجنة تحقيق أساسيّة شُكّلت عام 2012 على إثر انهيار «مبنى فسّوح» في الأشرفية، إذ كُلّف يومها من نقابة المهندسين، المكلّفة بدورها من الحكومة بـ«كتابة تقرير يفسّر سبب سقوط المبنى المذكور، وإيجاد طريقة لتدعيم الأبنية القديمة والأثرية لإنقاذها من أيّ خطر زلزالي». خرجت نتيجة التحقيق عام 2013، وسردت سلسلة أسباب منطقية لسقوط المبنى، إلا أنّ العمل لم يتوقف عند هذا الحدّ بالنسبة إلى الشمالي، فلا تزال المعضلة المتعلّقة بإعادة تأهيل الأبنية القديمة من دون إجابة. وبغية تحقيق هذا الهدف تواصل مع جامعات ومراكز بحثية خارج لبنان للاطلاع على آخر ما توصلت إليها تقنيات البناء والتدعيم، سيّما استخدام المواد الجديدة.

المباني والزلازل
يحسم بأنّ «الأبنية في حركة دائمة، إنّما لا نشعر بها، وتزيد كلّما ارتفع البناء»، ويعيد سبب فشل المباني وانهيارها تحت وطأة الهزات إلى «القوة الأفقية، فالأساسات تحمل القوة العمودية فقط، وهي الناتجة عن وزن المبنى وما يحويه»، أمّا الزلازل فتسبّب «تحريك البنية الإنشائية (الأعمدة وجسور الأسقف) في المباني بطريقة غير متزامنة، ما يؤدّي إلى انكسارٍ في الوصلات بينها، وبالتالي سقوط الأسقف على الناس»، ويضيف: «الإلغاء أو التخفيف من هذه الحركة يساهم في صمود المبنى تحت وطأة الهزّات».
تمكين الأبنية السّكنية القديمة وتدعيمها، والتي أُنشئت بطريقة غير مقاومة للزلازل، «ممكن، إنّما مكلف للغاية، إذ يتطلب تكسيراً لجدران التقطيع داخل البيوت، وإعادة إنشاء عناصر خرسانية جديدة، قد تصل إلى حدّ إعادة النظر في المبنى كلّه»، ما يجعل هذه الأعمال شبه مرفوضة عند أصحاب الشقق في المباني، أو أقلّه لا إجماع عليها. أما في المنشآت غير السّكنية، فيشير الشمالي إلى «سهولة أعمال التدعيم فيها، لأنّ الأعمدة والجسور ظاهرة ولا تحتاج إلى أعمال تكسير».

فكرة التدعيم
الهندسة تفتش عن الحلّ الأسهل والأرخص والأفضل،وكان عبر «استخدام مواد جديدة لتغليف المبنى من الخارج، تُعرف بالـFRP. من دون حاجة إلى التكسير، يُغطى مزيج من الألياف الزجاجية والبلاستيك بالكلس، ما يحوّل جدران الحجارة الضعيفة للغاية أمام الاهتزازات إلى كتلة متراصّة، وكأنّها خرسانة، مع بعض المرونة، ما يخفّف الضغط على الوصلات بين الأعمدة والجسور، وبالتالي يحميها من الانكسار».
هذه الحلول عبرت مختبرات الزلازل، واستطاع مبنى مكوّن من طبقتين الصمود أمام قوة زلزالية ناهزت الـ7 درجات، مع تشققات فقط في الجدران، من دون وقوعها. هذه التقنية تؤمّن الحماية للبيوت الأثرية المصنوعة من الجدران الحجرية فقط، عبر زرع الشباك، كما الأبنية العادية وصولاً حتى ارتفاع سبع طبقات، وتجعل من الاهتزازات العشوائية المدمّرة للعناصر الإنشائية (الأعمدة والجسور) خلال الزلازل اهتزازاً واحداً، محوّلاً المبنى إلى ما يشبه الصندوق، ما يعني وفقاً للشمالي «إنقاذاً للأرواح الموجودة في الداخل كي تعبر هذه دقيقة الاهتزاز القاتلة».