حتى اليوم، لا أحد يجرؤ على الإعلان بأن لا إمكانيّة لإجراء الانتخابات البلديّة والاختياريّة. الحديث عن التمديد يجري همساً أو داخل غرف مُغلقة. أمّا في العلن، فالجميع يؤكّد جاهزيّته للاستحقاق. رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي استبعد أمام بعض من التقاهم أخيراً إجراء الانتخابات، لكنّه أشار إلى أنه «مُحرج من ضغط السفراء الأوروبيين الذين يُريدون إجراءها»، مشيراً إلى إمكانيّة تأمين التمويل من الاتحاد الأوروبي. علماً أن رئيس الحكومة نفسه «طيّر» بند تمويل الانتخابات من على جدول أعمال جلسة مجلس الوزراء الشهر الماضي، لأن «الأمر غير طارئ والوقت لم يُداهمنا، والأجدى أن تتم في عهد رئيس الجمهوريّة».
وكما رئيس الحكومة، كذلك وزير العدل هنري خوري الذي أكّد أنّ لائحة بالقضاة الذين سيُشاركون في لجان القيد للإشراف على العملية الانتخابية ستُرسل إلى وزارة الداخليّة. فيما قال قضاة لـ«الأخبار» إنّ «الأمر لم يُطرح معنا، ولم نتبلّغ بقيمة البدلات الماليّة التي سنتلقّاها». الأمر نفسه ينطبق على الأساتذة الذين لم يتبلّغوا أيّ دعوة للمشاركة في تنظيم العمليّة الانتخابيّة ولا يعرفون شيئاً عن البدل المادي، وفي كلّ الأحوال لا يبدون حماسة للأمر.
وزير الدّاخلية بسّام مولوي، من جهته، لا يفوّت مناسبةً من دون أن يؤكّد أن وزارته جاهزة للانتخابات وباشرت كل الترتيبات الإدارية والتقنية واللوجستية لإجرائها في موعدها في أيّار المقبل، على أن يدعو الهيئات الناخبة نهاية هذا الشهر. كما حضّر جدول المصاريف التي ستصل إلى نحو 8 ملايين و890 ألف دولار وفق سعر «صيرفة». بحسب المعلومات، تتضمّن هذه الكلفة النفقات الإداريّة، وبدل أتعاب ونقل لرؤساء وكتبة أقلام الاقتراع وأعضاء لجان القيْد العُليا، وسلفاً للمحافظين والقائمّقامين والمديرية العامة للأحوال الشخصيّة والمديريّة الإدارية المشتركة وعناصر الأجهزة الأمنية (الجيش وقوى الأمن والأمن العام وأمن الدولة)، وصيانة وتأهيل مراكز الاقتراع وتأمين تجهيزاتها مع أُجور النقل، إضافة إلى المطبوعات والقرطاسية والحملة الإعلانيّة. ورغم إشارة مولوي إلى إمكانيّة تأمين التمويل من الجهات الغربيّة المانحة، فإنّ الاتحاد الأوروبي، بحسب المعلومات، لم يتعهّد أكثر من تأمين بعض التجهيزات اللوجستية كـ(القرطاسية). يعني ذلك أنّ جزءاً من التمويل سيقع على عاتق وزارة الماليّة من خارج الموازنة، إمّا بنقل اعتماد احتياطي إلى وزارة الداخليّة أو عبر سلفة خزينة. ولا يبدو الخيار الأخير متاحاً، إذ إنّ إقرار سلفة خزينة يحتاج إلى إقرار مجلس النواب الذي ترفض قوى سياسية انعقاده قبل انتخاب رئيس للجمهوريّة. وإلى ذلك كله، عقبة أخرى تتمثّل في عدم قدرة القوى الأمنية، لوجستياً ومالياً، على تنفيذ خطة الانتشار في المدن والقرى التي ستُجرى فيها العمليّة الانتخابيّة كل أحد على مدى 4 أسابيع.

الأحزاب غير متحمّسة
بناءً على كل ما تقدّم، يطغى سيناريو التأجيل على ما عداه. وهو ما تؤكده غالبية القوى السياسية غير الجاهزة للاستحقاق، لا مادياً ولا شعبياً، ولا تُريد أن «تفتح» هذا «الفتوح» في ظلّ الاحتقان السياسي والنقمة الشعبيّة. وحده حزب القوات اللبنانية «زيّت» محرّكاته على الأرض ويعمل وكأنّ الانتخابات واقعة غداً، لإثبات أنّه القوة المسيحيّة الكبرى. في المقابل: تراجع «العونيون» بعدما كانوا شمّروا عن زنودهم لأن الأمور «ما زالت ضبابيّة» بحسب النائب نقولا صحناوي، وتعمل حركة أمل «على البطيء» لأنّها لا ترى مؤشراً إلى إجراء الانتخابات وفق النائب قبلان قبلان، ولم تتطرق قيادة الحزب التقدمي الاشتراكي إلى الاستحقاق من قريب أو من بعيد، فيما تيّار المستقبل غائبٌ أصلاً، ويرى حزب الله أن حظوظ إجرائها «فيفتي فيفتي»، وفق النائب أمين شري، ويعمل حزب الكتائب «كل يوم بيومه» كما يقول الوزير السابق آلان حكيم، علماً أن الكتائب سبق أن أعلن أن «عدم انتخاب رئيس للجمهورية من شأنه تعطيل الانتخابات البلدية والاختيارية».
المشكلة الكبرى ستكون في عدم إمكان استمرار المخاتير في القيام بمهامّهم وعدم وجود بديل لهم


ماذا عن التمديد؟
كلّ ذلك يؤكّد أن لا مجال إلا للتمديد، خصوصاً أنّ هناك أسباباً موجبة كثيرة (غياب التمويل، الوضع الأمني، الشغور الرئاسي...)، يكفي كل منها أن يكون مبرّراً لـ«تطيير» الاستحقاق قبل شهرين من إجرائه. غير أنّ أحداً غير مستعدّ لتحمّل تبعات هذا التأجيل: وزير الداخلية يؤكد أنه لن يحمل «كرة النّار» هذه، وأيّ من القوى السياسية لن تجرؤ على الدعوة إلى التأجيل أو تبنيه، وخصوصاً أنّ إرجاء الانتخابات يحتاج إلى اقتراح قانون معجّل مكرّر يُمرّر في جلسة تشريعيّة تكاد تكون مستحيلة في ظل الشغور الرئاسي.
رغم ذلك، يتردّد أنّ خيار التمديد اتُّخذ بين بعض القوى السياسيّة، وأن رئيس مجلس النواب نبيه بري فوتح بالأمر، على أن يقوم مولوي بتجميد دعوة الهيئات الناخبة. فيما لا يزال الخلاف على الموعد الجديد للاستحقاق بين من يحبّذ تأجيله حتى أيلول المقبل، ومن يفضل الإرجاء سنة لعدم المخاطرة طالما أن لا حلول في الأفق لكل الأزمات التي تحتّم التأجيل. فيما يتردّد أن هناك طرحاً جدياً بالتمديد للمجالس البلديّة والاختياريّة لمدّة عامين باعتبار أنّ سنة واحدة غير كافية لطرح المشاريع وتنفيذها.

«تمديد مقنّع»
غير أن هذه كلها تبقى «سيناريوهات وردية»، في ظل صعوبة انعقاد جلسة تشريعية لإقرار التنديد بغضّ النظر عما إذا كان لستة أشهر أو سنة أو سنتين. عدم عقد جلسة تشريعيّة يعني الإبقاء على الوضع الحالي إلى حين موعد دعوة الهيئات الناخبة. وحينها، لن يكون مولوي قادراً على المضي في الإجراءات الآيلة إلى تنفيذ وعده بحصول الانتخابات، مع عدم إقرار قانون لتمويل الانتخابات، وفي الوقت نفسه عدم إقرار قانون لتأجيل الاستحقاق، ما يعني حكماً الذهاب إلى خيار «التمديد المُقنّع». ويعني هذا أن تواصل المجالس البلدية ممارسة مَهامها بطريقة غير قانونيّة، ولكن بحكم «الأمر الواقع»، للقيام بالمهام الضروريّة والطارئة، أو تسلّمها من قبل القائمّقامين والمحافظين.
ويقول مؤسس منظمة «جوستيسيا للإنماء وحقوق الإنسان» المحامي بول مرقص لـ«الأخبار» إنّه «في حال عدم التمديد للمجالس البلدية بموجب قانون أو إجراء انتخابات بلدية في موعدها، فإن القائمّقام أو رئيس القسم الأصيل في القضاء والمحافظ أو أمين السرّ العام في مركز المحافظة يتولى عندها أعمال المجلس البلدي حتى انتخاب مجلس جديد». ويستند مرقص إلى المادة 24 من المرسوم الاشتراعي الرقم 118/1977 (قانون الانتخابات البلدية والاختيارية) الذي ينص على أنّه «في حالة حلّ المجلس أو اعتباره منحلاً يصار إلى انتخاب مجلس جديد في مهلة شهرين من تاريخ مرسوم الحل أو قرار إعلانه. يتولى القائمّقام أو رئيس القسم الأصيل في القضاء والمحافظ أو أمين السر العام في مركز المحافظة أعمال المجلس البلدي وذلك للمدة الباقية من ولاية المجلس البلدي المنحلّ، حتى انتخاب المجلس الجديد وذلك بقرار من وزير الداخلية».
أما المشكلة الكبرى فستكون في عدم إمكان استمرار المخاتير في القيام بمهامهم وعدم وجود بديل لهم، ما سينعكس حكماً عرقلة في تأمين كثير من المعاملات للمواطنين (إفادات سكن، طلبات جواز سفر، معاملات السفر...) وتعطيل المعاملات الحيوية للمواطنين واضمحلال آخر ما تبقّى من مظاهر الدولة.



إقبالٌ خفيف على لوائح الشطب


منذ نحو شهر، نشرت وزارة الداخليّة والبلديّات القوائم الانتخابيّة الأوليّة بهدف تعميمها تسهيلاً لتنقيحها على أن يُعاد نشرها خلال هذا الشهر استباقاً لدعوة الهيئات الناخبة إلى الانتخابات البلديّة المُقرّر إجراؤها في 31 أيّار المقبل. كما أصدرت «الداخلية» أقراصاً مدمجة تحتوي على القوائم الانتخابية الأولية لكل دائرة انتخابية، ويحق لأي شخص أن يستحصل على نسخ عنها لقاء بدل يساوي 300 ألف ليرة.
ورغم المبلغ الزهيد، إلا أنّ المعلومات تشير إلى أنّ الطلبات على هذه الأقراص كان قليلاً في مختلف الدوائر وأقلّ مما هو متوقع، ما اعتبرته الوزارة مؤشراً على عدم حماسة القوى السياسيّة والمحليّة في البلدات القرى على خوض الانتخابات البلديّة.