حتى مساء أمس، كان الغموض لا يزال يلف مصير زيارة الوفد القضائي الأوروبي إلى لبنان في إطار استكمال التحقيقات التي بدأها قضاة من فرنسا وألمانيا ولوكسمبورغ في ملف تورط حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وشقيقه رجا ومساعدته ماريان الحويك ومصرفيين وغيرهم في عمليات اختلاس وتبييض الأموال. وبحسب المعلومات، فإن قاضي التحقيق الأول في بيروت شربل أبو سمرا الذي تسلم ملف الادعاء ضد سلامة وشقيقه ومساعدته وآخرين من المحامي العام الاستئنافي القاضي رجا حاموش الثلاثاء الماضي، لم يتسن له دراسة الملف بعد، وبالتالي لن يحدد موعداً لزيارات القضاة قبل ذلك.مصادر قضائية أشارت إلى أن لا علاقة بين دراسة الملف وإجراء الاستجوابات، إذ يمكن لأبو سمرا التجاوب مع الوفد الأوروبي حتى في حال عدم بدئه باستجواب من ادّعى عليهم حاموش، وسط حديث عن ضغوط أوروبية، فرنسية وألمانية على وجه الخصوص، للدفع قدماً لعدم تأجيل الزيارة المقررة منتصف الشهر الجاري. علماً أنه من المتوقع أن يسبق وفد تقني القضاة لإنجاز كل التحضيرات اللازمة.
ومنذ أيام، يجول بعض أعضاء السفارة الألمانية في العدلية ويحرصون على تعميم أخبار عن عقوبات بحق كل من يعمل على المماطلة في ملف سلامة أو عرقلته. وفيما علمت «الأخبار» أن الوفد الفرنسي طلب استجواب مدير القطع سابقاً في مصرف لبنان نعمان ندور مرة جديدة، ومدير التنظيم والتطوير في المصرف رجا أبو عسلي، والمحامي ميشال تويني الذي يرد اسمه في بعض التحويلات التي أجراها سلامة من البنك المركزي إلى حسابات مالية في المصارف الخارجية. إلا أن أبو سمرا لم يتبلغ بعد بلائحة الأسماء المطلوب استجوابها، على أن يتسلم الاستنابة القضائية من مدعي عام التمييز القاضي غسان عويدات الاثنين المقبل.
في غضون ذلك، تتقدّم التحقيقات الخارجية بوتيرة سريعة. وأشارت المصادر إلى أن القضاة الألمان بدأوا درس وتحليل حركة الأموال التي قام بها سلامة في لبنان سواء عبر مصرف لبنان أو عبر حسابات شقيقه رجا سلامة في المصارف المحلية بعدما حصلوا على هذه التفاصيل خلال زيارتهم الماضية إلى لبنان. أما في سويسرا، فتتكشف فصول إضافية حول طريقة عمل حاكم مصرف لبنان ومحاولاته المتكررة للتحايل على القوانين. وكشف قرار قضائي صادر عن محكمة البداية السويسرية في 15 أيلول 2022 (حصلت «الأخبار» على نسخة منه) ردّ طلب سلامة بفك الحجز عن جزء من أمواله المحتجزة في سويسرا بحجة «دفع أتعاب المحامين الموكلين عنه». وعلى رغم ردّ المحكمة طلبه استأنف القرار مرة أخرى، فردت المحكمة طلبه مجدداً. وعللت المحكمة ردها بالإشارة إلى أن سلامة لا يزال ملاحقاً لديها بتهمة تبييض الأموال وبالتالي لا إمكانية لتحرير أي مبلغ من الأموال المحتجزة ولو كان لا يتخطى 30 ألف دولار لسدّ أتعاب المحامين.
محكمة البداية السويسرية تردّ طلب سلامة فك الحجز عن جزء من أمواله لدفع أتعاب محاميه

وجاء في متن قرار الردّ أن يستخدم الحاكم الأموال الموجودة في حساباته الخاصة في بيروت لهذا الغرض، لا سيما مبلغ الـ3 ملايين دولار المحول من سويسرا إلى بيروت. ما سبق، إثبات إضافي على تورط سلامة بتبييض الأموال وعلى احتجاز أمواله في عدد من البلدان الأوروبية لا سيما سويسرا خلافاً لما تدعيه الجوقة المدافعة عنه في لبنان، ومن بينهم رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ووزير المال يوسف خليل المقرب من رئيس مجلس النواب نبيه بري. فحتى الساعة، ينفض ميقاتي يديه من مسألة تعيين محامين عن الدولة اللبنانية لاسترداد الأموال المحجوزة في الخارج رامياً المسؤولية على خليل بعد إرسال كتاب وزير العدل إليه بهذا الشأن منذ نهاية العام الماضي من دون أن يجيب. في حين أن الكل متواطئ حفاظاً على «سمعة» سلامة، والكل يتفادى الاعتراف بالجرائم التي اقترفها. على رغم ذلك، يضيق الخناق أكثر فأكثر حول سلامة العاجز عن تحريك أي أموال في الخارج وبات محاصراً بالكامل في أوروبا إلى درجة عدم قدرته التصرف بيورو واحد لأن اسمه بكل بساطة مدرج على اللائحة السوداء. ولأن الإجراءات الأوروبية تفرض على أي محام التصريح عن طريقة تقاضيه الأموال من موكله لا سيما أن سلامة متهم بتبييض الأموال بحيث يستحيل عليه تسيير أموره على الطريقة اللبنانية عبر الدفع «كاش» لوكلائه في بيروت. وعلمت «الأخبار» أن سلامة رفع دعاوى مماثلة في فرنسا وألمانيا لمحاولة فك الحجز عن أمواله للغرض نفسه، ولا تزال الدعوى الفرنسية في الاستئناف على أن التوقعات أن يكون القرار في الدولتين مشابهاً لما قامت به سويسرا.