كثُرَ الحديث أخيراً عن «ظلامة» تقع على مسيحيي الدوائر العقارية. وصوّرت التوقيفات في عقاريات بعبدا وعاليه والمتن، والتحقيقات في عقارية جونية، على أنها «تفريغ» للقطاع العام من أبناء الطائفة. فتم تطييف الملف من خلال ضخّ خطاب طائفي تحريضي عبر وسائل إعلامٍ فتحت منابرها لـ«الفرز على الهوية». وسط هذا الشحن علمت «الأخبار» أن «أحد المحامين تقدّم بإخبارٍ أمام مدعي عام الجنوب القاضي رهيف رمضان، ضد موظفين ومعقبي معاملات في عقارية الجنوب، وتضم أمانتي صيدا وصور، وبإخبارٍ مماثل أمام النائبة العامة الاستئنافية في النبطية القاضية غادة أبو علوان بشأن عقارية النبطية، وتضم أمانات النبطية وبنت جبيل ومرجعيون». صحيح أن هذه الدوائر تعبق بالفساد منذ سنوات، إلا أن الخطير وفق مصادر متابعة «هو ضرب المسار الجدي للملف حتى الساعة من خلال السعي للعمل به على قاعدة 6 و6 مكرر». وفي المعلومات أيضاً، فقد كلّف رمضان بناءً للإخبار فرع المعلومات في بيروت وليس في صيدا بالتحقيق، انطلاقاً من أن الفرع يتابع ملف العقاريات منذ بدايته، لكن «عتباً» طاول رمضان من الجهة السياسية المحسوب عليها لـ«تصرّفه من دون تنسيق مسبق معها».عملياً، لم تبدأ التحقيقات بعد، وسط توقعات بأن تبدأ الاستدعاءات في الأيام المقبلة إذا ما سارت الأمور بشكلٍ طبيعي من دون تدخلات سياسية. وفي حال أراد فرع المعلومات السير جدياً في الملف، فلن تكون مهمته سهلة، بما أن الدوائر العقارية جنوباً مُقفَلَة بِحجة إضراب موظفي القطاع العام، لكن في الحقيقة تذرّع موظفو العقاريات بالإضراب ليتواروا عن الأنظار بعد حملة التوقيفات الواسعة التي طاولت بداية الأمر كافة موظفي أمانتي سجل بعبدا وعاليه ومجموعهم 41 موظفاً.
إلى ذلك، شهد ملفّ التحقيقات في قضايا فسادٍ في قلمي بعبدا وعاليه مستجدات تمثّلت بإصدار قاضي التحقيق الأول في جبل لبنان نقولا منصور قراره الظني أول من أمس بعد ثلاثة أشهرٍ على توقيف الموظفين. وفي حيثيات القرار عُلِمَ أنه بموجبه أخلى سبيل 26 من صغار الموظفين (19 من قلم بعبدا و7 من قلم عاليه) بكفالة مالية كبيرة بقيمة 300 مليون ليرة وظنّ بهم جنحة، بينما أبقى على 8 موقوفين واعتبر فعلهم جناية. وهؤلاء من كبار الموظفين كأمينة السجل العقاري في بعبدا ن.ش. ورؤساء المكاتب ومسؤولي الشبابيك. كما قضى القرار بمنع الجميع من السفر ومزاولة المهنة لمدة شهرين.
التحقيقات في عقاريات الجنوب قد تتحرّك قريباً


وأمس حوّل منصور القرار على النيابة العامة الاستئنافية في جبل لبنان، وبعد أن نظرت فيه القاضية غادة عون، وافقت على إخلاءات السبيل، ما عدا واحد يعود للموظفة خ. ع.، إذ استأنفت عون قرار الإخلاء من دون معرفة الخلفيات. وضمن المسار القضائي، بات الملف في عهدة الهيئة الاتهامية للنظر فيه، وأمام الأخيرة خياران، إما عقد جلسات والاستماع إلى الـ41 موظفاً (جنح وجناية) أو أن تُصدِر قراراً اتهامياً وتحوّل القضية على محكمة الجنايات.
القرار أثار ضجّة في أوساط وكلاء الموقوفين الثمانية، الذين اعتبروا أن «لا إثباتاتٍ على تهم الإثراء غير المشروع وتبييض الأموال وغيرها الموجّهة إلى موكّليهم. وأن الأدلة بمعظمها مبنيّة على وشاياتٍ تسمى عطف جرمي لا تستند إلى إثبات، إنما كلام سماسرة استفادوا من قانون كاشفي الفساد الذي يعفيهم من العقاب، فاعترفوا خلال التحقيقات الأولية بأنهم دفعوا الرشوة للموظفين». وينوي وكلاء الدفاع طلب إعادة التحقيق من جديد، وهو ما يسمى «تصدي للملف»، على اعتبار أن «لا مواجهاتٍ حصلت بين الموقوفين والسماسرة لا في فرع المعلومات ولا لدى قاضي التحقيق الأوّل». وفي هذه الحالة إما تعيد الهيئة الاتهامية التحقيق في حال وجدته جدياً ومشروعاً، وإما ترفض ويسلك الملف مساره المتوقّع نحو محكمة الجنايات. وهو السيناريو الأكثر ترجيحاً.