ليس هناك إحصاء دقيق حول نسبة حضور الطلاب للمقرّرات الجامعية، لكن من يقف على مداخل مجمّعات الجامعة اللبنانية وكلياتها لا بد أن يلمس التراجع الملحوظ في حركة الدخول والخروج. ثمّة طلاب كثيرون يعزفون عن الحضور، لأنهم ببساطة عاجزون عن الوصول، و«نسبة الالتزام قد لا تتجاوز الـ30% أو أنها تلامس الـ50% في أحسن حالاتها»، بحسب تقديرات الأساتذة، وهي تتفاوت بين كلية وأخرى تبعاً لطبيعة الكلية، وما إن كان نظام التدريس مفتوحاً أو مغلقاً يفرض الحضور الإلزامي.
لا عدالة في التعليم
وبينما يتحدث الطلاب عن ضرب لمبدأ عدالة التعليم، ناتج عن عدم القدرة على تحمّل كلفة نقل تراوح بين مليون و3 ملايين في الأسبوع الواحد، بحسب بعد السكن عن الكلية، يلاقيهم بعض الأساتذة بالعودة إلى التعليم «أونلاين». الأستاذ في كلية الآداب والعلوم الإنسانية ـ الفرع الخامس، أنور الموسى، قال إن «التعليم عن بعد عملي في غالبية الكليات النظرية». ورأى أن «صيغة التكثيف لم تكن علمية ومجدية، فالمادة التي تحتاج إلى أربع ساعات في الأسبوع، باتت تُقدم بساعتين أو ساعة، ما يعني تطيير نحو 90% من المنهاج كرمى للتعليم الحضوري، في حين أن الوقت متاح في التعليم عن بعد، فالمادة تأخذ حقها، والطالب يعود إليها لاحقاً، ولو لم تتوفر الكهرباء لديه، ويمكن اعتماد الحضور في الحصص التطبيقية والمختبرات فقط». وأشار الموسى إلى أن الهدف من التعليم الحضوري لا يتجاوز «الشحادة من الجهات المانحة والتذرّع بمنافسة الجامعات الخاصة». برأيه «الغاية من التعليم الحضوري انتفت لكون الطلاب لم يستطيعوا الوصول، وحدث في بعض الصفوف أن يحضر الأستاذ من دون أن يحضر أيّ طالب».
لا يخفي مديرو كليات اعتذارات يتلقونها من أساتذة متعاقدين على وجه الخصوص، عن استكمال التعليم الحضوري أو بالحد الأدنى تذمّر من واقع بات ضاغطاً إلى حد لا يطاق، وخصوصاً أن الآلية التنفيذية لتحويل عقود المصالحة إلى عقود نظامية، تطبيقاً للقرار الأخير لمجلس الوزراء، والبدء بالقبض شهرياً ستستغرق وقتاً. فالمدير لا يجد ما يقوله مثلاً لأستاذ يأتي من جونيه إلى مجمع الحدث ليدرّس ساعتين ويتقاضى بدلاً لا يتجاوز 300 ألف ليرة، فيما يكون قد صرف صفيحة بنزين بمليون و500 ألف ليرة.
لكن حتى الآن، لا يزال معظم المديرين متمسكين بنظام التعليم الحضوري «الأفضل والأكثر إنتاجية»، وفق تعبيرهم، إضافة إلى أن أيّ تعديل على السيناريو الحالي للتعليم يحتاج إلى مراقبة الوضع الجامعي العام، «فالجامعة اللبنانية لا يمكن أن تتخذ مثل هذا القرار وحدَها بمعزل عن باقي الجامعات اللبنانية وخصوصاً أننا لسنا في حال تعبئة عامة كما كان الوضع في كورونا»، على ما قال مدير الفرع الأول لكلية الإعلام رامي نجم.
«التعليم عن بعد دمار شامل»، هذا ما قاله مدير كلية العلوم ـ الفرع الأول ياسر مهنا. مشيراً إلى أنه «ليس هناك فارق كبير في نسبة حضور الطلاب، مقارنة بالسنوات السابقة، كليتنا مفتوحة ولا تفرض إلزامية الحضور، وبإمكان الطلاب القادرين على الوصول، أن يسجلوا لزملائهم المحاضرات».
في كلية الآداب والعلوم الإنسانية ـ الفرع الأول، انخفض عدد الطلاب المشاركين في المحاضرات إلى 10%، بحسب مديرة الفرع سهى حمود، باستثناء قسم علم النفس الذي حافظ على حضور طلابه. وقالت إن «الطلاب غير قادرين على دفع كلفة النقل، وقد جرى تمديد التسجيل لسبب أساسي وهو العجز عن دفع الرسوم الجامعية، ومنهم من أمنّا لهم المقررات في صيغة pdf لكونهم لا يقوون على دفع تكاليف تصويرها».
لم تموّل الجهات المانحة خطة نقل تكلّف مليونين و250 ألف دولار


إدارة الأزمة
حتى اللحظة، ليس هناك أي سيناريو جديد لاستبدال توصية التعليم الحضوري بأيّ شكل آخر للتعليم، لكن من الأساتذة من يرى أنه ليست هناك إدارة سليمة للأزمة من الأساس. برأي الأستاذ في كلية العلوم علاء غيث، «الأمور متروكة للتساهيل وليست هناك خطة متكاملة لمقاربة الواقع، أو أننا لم نطلع على مثل هذه الخطة بالحد الأدنى». انتشال الجامعة من موتها البطيء يحتاج، كما قال، إلى قوة دفع قاهرة من الدولة ومن الأحزاب. ورأى أن «الحلول يجب أن تُصوّب باتجاه معالجة المشكلة الأكثر إلحاحاً أي توفير النقل للطلاب وفتح السكن»، لافتاً إلى أن «الجامعات الخاصة تواجه المشكلة نفسها وتمكنت من إيجاد حلول مختلفة لطلابها، بعيداً عن خيار الأونلاين الذي هو مقتل للتعليم، وهو مرفوض من أكثرية الأساتذة».
لم تلاحظ الأستاذة في معهد العلوم الاجتماعية ـ الفرع الثاني، تيريز سيف، انحفاضاً في نسبة الحضور في صفوفها منذ بداية الفصل الأول، «فالطلاب كانوا مرتاحين للعودة لجهة الحصول على جودة أكبر للتعليم، ويجب أن يكون هناك بحث عن تدابير لإدارة الأزمة، تماماً كما فعلنا عندما كثّفنا أيام الدراسة، لا التفكير بالذهاب إلى التعليم عن بعد، حيث تغيب التقنيات، وتتضاعف مشاكل الإنترنت والكهرباء».

تعليم مدمج
لعميد كلية الهندسة، رفيق يونس، رأي خاص بما يتعلق بالتعاطي مع الأزمة المستجدّة، إذ يفترض، كما قال، بإدارة الجامعة أن «تتجاوب مع صيغة التعليم المدمج التي تقضي بمدّ الأساتذة بالمساعدات اللازمة واستمرار تأمين تشغيل الكليات والمجمّعات لضمان حضور الأساتذة بالدرجة الأولى، على أن حضور الطلاب مرهون بقدراتهم، فمن يستطيع أن يصل يتابع حضورياً، ومن لا يستطيع تُسجل له المحاضرة وتُرسل إليه أو يتابعها أونلاين، إذ إن الوضع لا يسمح بأن نعيش عبء التعليم الحضوري لمجرد أن المساعدات الدولية مرتبطة به، ولا يمكن أن نأمل في ذلك، لأن الجامعات ليست على قائمة المساعدات الدولية المالية، إنما المساعدات العينية فقط، فالقطاع الجامعي في كل دول العالم يُترك ليواجه مشاكله بنفسه». يونس استبعد أن يكون عدد طلاب الجامعة قد تراجع، «والمشكلة هي في التأخر في دفع رسوم التسجيل، وبالتالي لا خوف على الإقبال على الجامعة، فالمهم أن نؤمّن صيانة المجمعات ونساعد الأساتذة ونعتمد التعليم المدمج الذي يوفر المقرر للطالب الحاضر والغائب على السواء».



بدران: عائق قانوني أمام التعليم عن بعد
يصرّ رئيس الجامعة، بسام بدران، على اعتماد التعليم الحضوري لوجود عائقين أساسيين، كما قال لـ«الأخبار». العائق الأول هو قانوني، «فليس هناك اليوم في المجلس النيابي قانون يغطي إعطاء شهادات للتعليم عن بعد كما كان هو الحال في أثناء كورونا، في حين أن الجامعة لا تستطيع أن تتخذ قراراً منفرداً بمعزل عن باقي الجامعات، والعائق الثاني هو عدم جودة التعليم عن بعد، فالطلاب أنفسهم الذين يشكون كلفة الانتقال لا يملكون أدنى مقوّمات التعليم في منازلهم، من جهاز كمبيوتر وإنترنت سريع، وتشير التجربة السابقة إلى أن الصف لم يكن يستقطب أكثر من 18 طالباً في أحسن الأحوال، وليُسأل جميع الأساتذة عن ذلك».
وبالنسبة إلى الحلول المقترحة لمشكلة النقل، فقد وضعت إدارة الجامعة، بحسب بدران، خطة لاعتماد باصات لمختلف الخطوط من مناطق الأطراف إلى كليات الجامعة في بيروت، ولمدة 9 أشهر، وبكلفة توازي مليونين و250 ألف دولار، إلا أن الجامعة لم تلقَ استجابة من الجهات المانحة ومن الدولة في هذا الخصوص.
مصادر في وزارة الأشغال والنقل أوضحت أن المشكلة تكمن في توقف عمل الباصات التي سعى الوزير علي حمية في تأمينها، بعدما اعترض السائقون المعتمدون من مصلحة سكك الحديد على الاستمرار في العمل براتب لا يتجاوز مليونين و400 ألف ليرة. وأشارت المصادر إلى أن أحد الخطوط الأربعة المعتمدة كان باتجاه مجمع الحدث، والطلاب كسائر المواطنين، كانوا سيستفيدون من التعرفة الرمزية التي تبلغ 20 ألف ليرة.


الرهان على الرابطة العتيدة؟
هذا الأسبوع سيُحدد فيه موعد انتخابات الهيئة التنفيذية لرابطة الأساتذة المتفرّغين في الجامعة اللبنانية (2022 ـ 2024)، بعد إنجاز المرحلتين الأوليين، أي انتخابات المندوبين الذين فازوا بغالبيتهم بالتزكية، كذلك فاز كلّ من الأستاذ في كلية الحقوق علي رحال برئاسة مجلس المندوبين والأستاذة في معهد العلوم الاجتماعية، تيريز سيف، بمركز أمينة سر المجلس بالتزكية أيضاً. مع ذلك، لا تزال مجموعة من الأساتذة الناشطين في الجامعة تراهن على إيقاظ العمل النقابي من كبوته بعدما غاب في السنوات الأخيرة، ويستعد هؤلاء الأساتذة للمرحلة الأخيرة على قاعدة أنه لا يستقيم أي عمل في أي مؤسسة من دون نقابة تمثل صوت الأساتذة. وتقول مصادر المجموعة إن الرابطة خسرت دورها وثقة الأساتذة عندما سلّمت المهام التفاوضية المتعلقة بحقوقهم إلى رئيس الجامعة.