استحوذت مسألة تعليق الدعاوى القضائية ضدّ المصارف على الحيّز الأكبر من النقاش المتعلّق بمشروع قانون الكابيتال كونترول. حتى أنها باتت عاملاً محدداً لرفض المشروع أو القبول به، وطغى النقاش فيها على بقية المواد المتّصلة بشرعية الودائع التي جرى تصنيفها بين أموال جديدة، وأموال قديمة. هكذا تمحورت المعركة عند جمعيات المودعين وبعض نواب التغيير. وفي المقابل عمد نواب الأحزاب السياسية، الذين أسقطوا النسخ الأولى من المشروع في أول أيام الانهيار، أي عندما كان طارئاً وضرورياً، إلى تبرير إقرار هذه المادة متذرّعين بأنها تساوي بين المودعين في الداخل والخارج، إذ إن صدور حكم في الخارج لمصلحة مودع واحد، يحرم عدداً كبيراً من صغار المودعين. بين السرديتين، ثمة ثغرة أهملها الطرفان، إذ إن ما يؤثّر فعلياً في الخارج والداخل هو صدور القانون بذاته، لأن تطبيقه يخوّل المصارف التمسّك بأحكامه للتخلف عن دفع أي وديعة في الخارج أو الداخل، ولو صدر فيها حكم مبرم، وبالتالي لا حاجة إلى المادة العاشرة التي تعلّق الدعاوى أو الحكام.
(هيثم الموسوي)

بحسب خبير قانوني متخصص، فإن «قانون الكابيتال كونترول بحدّ ذاته سيعزّز وضعية المصارف لناحية الدعاوى المقامة عليها في الخارج، إذ ستصبح لديها حجّة قوية في معرض امتناعها عن الدفع استناداً إلى هذا القانون، الذي سيصبح جزءاً من القانون اللبناني ككل». ويرى الخبير القانوني أن هناك 3 أبواب لفهم طريق تأثير الكابيتال كونترول على الدعاوى في الخارج:
- هل تملك المحاكم الأجنبية صلاحية بتّ الدعاوى؟ الصلاحية تُقرّ بحسب قانون البلد. ففي المملكة المتحدة، على سبيل المثال، ستكون الصلاحية للمحاكم البريطانية، فإذا كان المودع المُدّعي، مقيماً في بريطانيا، يطبّق عليه قانون حماية المستهلك الذي يتغلّب على الصلاحية الحصرية للمحاكم اللبنانية بحسب عقد فتح حساب مصرفي في لبنان. وهو ما يعطي الحقّ للمودع بتقديم دعوى أمام المحاكم البريطانية والاتحاد الأوروبي.
- القانون الذي يُطبّق على النزاع بين المودع والمصرف هو القانون اللبناني الذي يُجبر المصرف على تحويل الوديعة إلى صاحبها بنفس عملة الإيداع في ظل عدم وجود كابيتال كونترول أو قانون إعادة هيكلة للمصارف يُحظّر هذه العمليات. وهو ما حصل فعلياً في الدعاوى التي فاز بها مودعون في باريس وبريطانيا حيث أجبرت المصارف على ردّ كامل ودائعهم بنفس العملة التي أودعت بها.
- في حال إقرار الكابيتال كونترول، سيكون للمصرف دفوع جوهرية للتمنّع عن الدفع، ربما يقبلها القاضي. إذ إن حظر تحويل الأموال إلى الخارج سيعفي المصارف من واجب ردّ الوديعة طالما مفاعيل القانون سارية. على أن تعليق أو تنفيذ الأحكام كما تنصّ المادّة العاشرة، أمر لا يطبّق خارج لبنان، وغير قابل للتنفيذ عند القضاة الأجانب بل سيعتبر هؤلاء أن قسماً من هذا القانون غير نافذ ولن تعترف به المحاكم الخارجية، بل يمكن أن يشكل نقطة سلبية بالنسبة للقانون ككل. لذا، لا مفاعيل لهذه المادة خارج لبنان، لكن تمسّك المصارف بها ينمّ عن جشع بحيث تحرص في كل مرّة على زيادة مكتسباتها لتحسين وضعها في داخل لبنان.
يقول المحامي كريم ضاهر لـ«الأخبار»، إن العقد الذي يربط المودع بالمصرف حدّده القانون اللبناني ويطبّق في المحاكم اللبنانية، ويعطي المصرف حصراً صلاحية ملاحقة العميل في الخارج. إلا أن هذه الشروط انقلبت على المصارف نتيجة استفادة بعض المودعين غير المقيمين من قوانين حماية المستهلك في بلدان كفرنسا وبريطانيا بعد إثباتهم أن البنك هو الذي بادر إلى الاتصال بهم وأرسل ممثّلين من قبله لإقناعهم بتوقيع العقود في الخارج. القانون اللبناني، يضيف ضاهر، يُرجح على بقية القوانين، إنما في الدعاوى المقامة في الخارج يتوقّف على تقييم وتأثير المحاكم في تلك البلدان. فإن استشفت أن الكابيتال كونترول ليس سوى عملية تغطية لمخالفات كبيرة، سيتم التصرف مع القضية وكأنها نوع من التعدّي على حقوق الناس. خصوصاً إذا ثبُت أن الهدف الأساسي من إقرار القانون ليس حماية العملة الوطنية والحدّ من عجز ميزان المدفوعات، بل فقط للتمييز بين الودائع وتجريد أصحابها من حقّ المطالبة بها. عندها «وفي حال تمكّن أي محامٍ من إثبات هذا الأمر، خصوصاً أن مبدأ ضرب المساواة في القانون واضح باعتبار كل الأموال المودعة بعد 17 تشرين والمتأتية من اقتصاد الكاش غير خاضعة للقيود بخلاف الودائع قبل هذا التاريخ الخاضعة للقيود الصارمة. وفي حال إثبات إفلاس المصارف يمكن للمتقاضين ملاحقة المصارف اللبنانية بجرم الإفلاس الاحتيالي في الخارج وملاحقة المسؤولين عن المصارف حتى بعد صدور الكابيتال كونترول. ولا سيما أن هناك شكوى مقامة في فرنسا واللوكسمبورغ ضد «مجموعة أشرار» ومن يظهره التحقيق بالنسبة للمتسبّبين بالانهيار المالي، وأول الملاحقين بهذه الشكوى هو حاكم مصرف لبنان».
ستبقى الدعاوى سارية وتنفيذها عبر حجز أموال وممتلكات المصرف اللبناني في الخارج


يتلاقى رأي المحامي وديع عقل مع كلام ضاهر. وفقاً لعقل، لن يؤثّر هذا القانون في الدعاوى الخارجية كما يصوّره بعض النواب، لمحاولة تجميل المواد الملغومة داخله والتي تميل لمصلحة المصارف فقط. ويشير عقل إلى أنه حصل على عدّة استشارات قانونية من بريطانيا وفرنسا وبروكسيل بهذا الشأن، باعتباره وكيل عدد من المودعين في الخارج. والاستشارات واضحة في إشارتها إلى عدم تأثّرها بضبط التحويلات والسحوبات المصرفية وحركة الأموال، لأن اختصاص المحاكم خارج لبنان مرتبط بثلاثة شروط: مكان إقامة المُدعي الضريبية، العمليات التي تجرى من خلال الحساب المصرفي أكان السحب أو التحويل، وجنسية صاحب الحساب. يضاف إلى ذلك وجود معاهدات بين هذه الدول ولبنان تسمح بحرية نقل الأموال. فعند توافر كل هذه العوامل، وفقاً لعقل، يمكن الادعاء في الخارج، وستبقى الدعاوى سارية لأن ثمة حرية في نقل الأموال حتى لو أُقرّ القانون. أما تنفيذ الدعاوى فسيتم عبر حجز أموال المصرف اللبناني لدى مصارف المراسلة أو في فروع هذا المصرف الموجودة في أي دولة، وصولاً إلى الحجز على ممتلكاتهم. على رغم ذلك سيتم ظلم المودعين المقيمين في لبنان، لأن القانون يحول دون نيلهم حقوقهم ويعرقل عمل بعض القضاة، إذ يكمن الخطر الأساسي في تفسير هذا القانون من قبل القضاة المختصين وذات الصلاحية الذي سيعمدون إلى استغلال المواد داخل القانون لتحوير وإسقاط عدّة دعاوى وأحكام سابقة ولاحقة.



أي صيغة للمادة العاشرة؟
تنصّ المادة العاشرة من مشروع قانون الكابيتال كونترول المعدّل في اللجان المشتركة والمحال إلى الهيئة العامة لمجلس النواب، على الآتي: «حفاظاً على حقوق جميع المودعين ومع حفظ حقهم باستيفاء ودائعهم من المصارف، بما فيها اللجوء إلى القضاء، يُعلّق تنفيذ جميع الأحكام والقرارات القابلة للتنفيذ في لبنان والخارج التي صدرت قبل صدور هذا القانون، والتي لم تُنفّذ بعد، وتلك التي ستصدر بعد دخوله حيّز التنفيذ، والمتعلقة بمطالبة أو بتدابير مخالفة لأحكامه. يبقى هذا التعليق سارياً لغاية انتهاء مهلة تطبيق هذا القانون المنصوص عنها في المادة 11»، أي لمدة سنة قابلة للتجديد في مجلس النواب بناء على اقتراح اللجنة التي تتألف من وزير المال وحاكم مصرف لبنان وقاض من الدرجة 18 وخبراء.
وعلى رغم أن القانون المرسل إلى الهيئة العامة لمجلس النواب لا يشير إلى صيغة أخرى للمادة العاشرة. إنما هناك معلومات تشير إلى أن نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب، أورد في التقرير المرسل إلى رئيس المجلس نبيه بري النقاش الذي جرى خلال جولات اللجان المشتركة حول هذه المادة. لذلك تضمن التقرير اقتراحين؛ الأول طرحه بو صعب ويتضمن «إلغاء المادة (العاشرة) منعاً لهدر الحقوق أو عدم الحفاظ على الحقّ في التقاضي». والثاني يتضمن «الإبقاء على المادة وتعديلها للحفاظ على الحقّ في التقاضي وإقامة الدعاوى عند توافر السبب القانوني بما يتيح للمودعين مقاضاة المصارف تحصيلاً لودائعهم، على أن تُعلق الأحكام طيلة مدّة سريان القانون». وأصرّ النائب ميشال معوض خلال الجلسة الأخيرة على إدراج الصيغتين من دون تبنّي أي صيغة، وهو ما صرّح به بو صعب بعد الجلسة. لكن هل ثمة تداعيات فعلاً لهذه المادة أو هي مجرّد أداة إلهاء للمودعين لإقرار المواد الأخرى التي ستؤثر على ودائعهم وستحول دون الاعتراف بجزء كبير منها؟


دعاوى بالجملة على المصارف
في إطار الدعاوى المقامة من مودعين لبنانيين وغير لبنانيين مقيمين في الخارج، بدأ بعض النافذين يعمل على تجميع عدد من المتضررين لإقامة دعاوى جماعية ضدّ المصارف والمسؤولين المتورّطين باحتجاز أموال المودعين. لم تتضح الصورة القانونية لهذه الدعاوى، باعتبارها دعوى مشتركة، أم دعاوى مختلفة مقامة في وقت واحد ومموّلة من طرف واحد. إنما بات واضحاً أن من بين الذين يدعمون هذه المسارات، هناك رجل الأعمال الإماراتي خلف الحبتور الذي كشف عن تجهيز ملف دعوى جماعية مع مكاتب قانونية عالمية لمقاضاة المتورطين في هذه الجريمة، وقال: إن لم يتحقّق الحق من الداخل سنسعى لتحقيقه بكل السبل القانونية المتاحة».
كذلك، دعا رجل الأعمال، طلال أبو غزالة، في بيان، كل المودعين الراغبين بالانضمام إلى الدعوى التي يعتزم إقامتها بالتنسيق مع بعض المحامين في فرنسا وجمعية صرخة المودعين، إلى إرسال بياناتهم، سواء كانوا مودعين لبنانيين أو غير لبنانيين مقيمين في لبنان أو في الخارج.
مصادر قانونية أوضحت أن هذه الدعاوى الجماعية تتسم بالشعبوية أكثر من كونها قادرة على الإتيان بنتيجة لأن كل مودع لديه ظرف مختلف عن الآخر وحساب مختلف في مصارف مختلفة مما لا يجعل الدعاوى المشتركة قابلة للتطبيق، وهي لا يمكن أن تسري على الحسابات في المصارف بعكس سريانها على متضررين من كسّارة مثلاً. إنما الإيجابي في هذه الدعاوى، أن هذه المكاتب القانونية تقوم بالتكفل بدفع الأعباء المالية، علماً بأن إغلاق المصارف الأخير، أدّى إلى تزايد عدد الدعاوى، وتبيّن أن غالبيتها مرفوعة من مغتربين في لندن وباريس وبعض الدول العربية. إضافة إلى عدد كبير من الدعاوى المقدمة في لبنان حيث المحاكم تصدر أحكاماً لمصلحة المودعين وتتبناها المحاكم الأجنبية.