منذ يوم الجمعة الماضي، يحتفي ناشطو مواقع التواصل الاجتماعي في سوريا بـ«المسعف اللبناني الذي انتشل من تحت ركام جبلة أمّاً وطفلها حيّين بعد ستة أيام على الزلزال». معظمهم لا يعرفون شيئاً عن علي صفي الدين ما قبل زلزال سوريا. من عدوان تموز 2006 إلى انفجار مرفأ بيروت 2020، حكايا إنقاذ انتزعت الحياة بالقوة من تحت الأنقاض.إلى مكتبه في مركز الدفاع المدني في صور، عاد صفي الدين أمس بعد مهمة إنقاذ وإسعاف في منطقة جبلة في محافظة اللاذقية، امتدّت ما بين الاثنين والسبت الماضيين. على نحو تلقائي، يلتفت إلى صورة طفلته لين المعلقة على الحائط، كلما تلقى اتصال تهنئة. في الأيام الماضية، تمكن من إنقاذ عالقين تحت الركام. لكنه في مجزرة الدفاع المدني التي ارتكبها العدو الإسرائيلي في 16 تموز 2006، لم يتمكن من انتشال لين من تحت ركام المبنى. قضت الطفلة ذات العام الواحد، فيما أصيب هو وزوجته إصابات بالغة قادتهما إلى العلاج في الخارج لأشهر عدة. استقبل الزوار محاطاً بابنته لين الثانية، التي ولدت بعد استشهاد الأولى بعام واحد وابنه حسين (14 عاماً). وهما متطوّعان في المركز الذي يترأّسه والدهما منذ عام 2019.
تولّت إسعافات البعثة اللبنانية في سوريا نقل الكثير من جثث الضحايا بعد انتشالهم. «أمضينا ساعات عدة في انتشال كلّ جثة على حدة بسبب حرصنا على إخراجها جسداً متكاملاً». إزاحة الركام كشفت لوحات إنسانية خالدة برغم قسوتها. «أم وأب تشابكت أيديهما لحماية أطفالهما الثلاثة من انهيار الردم من فوقهم. وجدنا العائلة تحضن بعضها البعض في موتها. وهناك شاب كان يغطي بجسده والديه المسنّين، لكن الركام كان أقوى». الأقسى من الموت، كان انتظار الأحياء من حولنا. «عيونهم تتعلق بأيدينا والمعاول تحفر التراب، تنتظر أن نخرج أحباءهم أحياء».
كسرتُ الركام وشققتُ دائرة صغيرة وفوجئتُ برأس يتحرّك في جوفها


في الأيام الأولى لرفع الركام، «ارتكز البحث على العين والسمع لأن احتمال العثور على ناجين كان كبيراً. لاحقاً، بدأنا نستخدم الجرافات في البحث عن الضحايا». مع ذلك، كانت إرادة الحياة أقوى من مرور الوقت. «مساء الجمعة، انتهينا من انتشال 36 جثة من المقيمين في أحد المباني، ولم يبق منهم سوى أربعة في القعر. كسرتُ الركام وشققتُ دائرة صغيرة وفوجئتُ برأس يتحرّك في جوفها. تمكن الطفل من الخروج من الدائرة، فيما ضغطت والدته إلى الأعلى بقدميها بعزم وقوة. بعد خروجهما، أزلنا باقي الركام ووجدنا أن الأم كانت تنام فوق جثة طفلتها التي حاولت احتضانها لحمايتها من الزلزال». الطفل الناجي قال لمنقذيه: «طوال الأيام الماضية، كنت أناجي ربي: خلّيني ضلّ أسمع أصوات». الأم وطفلها أعادا صفي الدين إلى انفجار بيروت في 4 آب 2020، عندما انتشل الطفلة راما حيّة من تحت الركام بعد 18 ساعة، فيما توفيت أمها وشقيقاها.
كلما سئل صفي الدين عن كيفية تمكنه من انتشال الأم وطفلها من تحت ركام مبنى من ثماني طبقات، أحالنا إلى الحديث عن الدفاع المدني نفسه. «البعثة التي تألفت من 73 عنصراً من فرق الدفاع المدني بإمرة الجيش اللبناني، اعتمدت على الإرادة الصلبة لعناصرها وخبراتهم الفردية. وبرغم أنهم كانوا يمتلكون أدوات بسيطة، إلا أنهم حققوا إنجازات مشهودة». أمنيته أن تشكل تجربة زلزال سوريا وتركيا حافزاً لدى الدولة والخيّرين لدعم الدفاع المدني بالعتاد والآليات الحديثة. «ولا داعي لتكرار سردية حقوق المتطوعين الذين يلبّون النداء في لبنان وخارجه من دون مقابل مادي».
لن يتمكن صفي الدين من حضور احتفالات التكريم التي ستنظّم لتكريم البعثة اللبنانية. إذ سيغادر الأربعاء المقبل إلى بلغاريا لمتابعة استعادة جثمان المتطوّع السابق في الدفاع المدني في صور عبد الكريم ضاهر، الذي قضى بسبب الصقيع نهاية كانون الأول الماضي في غابة عند الحدود مع تركيا خلال محاولته الوصول إلى أوروبا بطريقة غير شرعية.