ظروف آلاف الأشخاص المحتجزين في عهدة الدولة لم تتحسن منذ ما شهده البلد من انهيار اقتصادي وتضخم في مختلف أسعار المواد الأساسية. أوساط وزارة الداخلية والبلديات تتحدث عن "جهوزية جميع السجون لمواجهة فصل الشتاء عبر نظام التدفئة المركزي لكل سجن". لكن في المقابل، يقول عدد من السجناء في رومية إن "الأغطية والسخان الكهربائي هما الوسيلتان الوحيدتان للتدفئة في السجن". إذ تبيّن أن لا علم لهم بوجود أنظمة تدفئة داخل المباني والغرف (ما عدا مبنى واحد مخصص للسجناء الخطرين في سجن رومية المركزي). ولا يمكن للأغطية وحدها أن تعالج مشاكل التدفئة خصوصاً في سجون الأطراف التي قد تصل درجة الحرارة إلى ما دون الصفر. أما السخان الكهربائي في السجون فيستعمل لتحضير الطعام كما للتدفئة بحسب أحد سجناء رومية وهو على نفقة السجين ويتراوح سعره بين 200.000 و300.000 ليرة لبنانية.يشكي بعض السجناء نقصاً في الأغطية والفراش. ويقول أحدهم "نايمين على إسفنجة وحدة مع حْرام واحد كيف بدك نواجه البرد؟ السخّان لحاله ما بيكفي". يضيف آخر أن الاكتظاظ داخل بعض الغرف لا يسمح للجميع بالحصول على فرش النوم والأغطية "مما يفرض على النزلاء مشاركة الفراش والأغطية مع بعضهم البعض أحياناً". أما بالنسبة للاستحمام، غالباً ما يستخدم السجناء سخاناً كهربائياً يدوي الصنع لتسخين المياه، ولكن ذلك قد يعرضهم للإصابة بصعقة كهربائية.
كما يعاني سجناء آخرون من مشكلة تسرّب الهواء والأمطار من النوافذ القديمة والمهترئة، فيتم سد الفتحات بأكياس نايلون أو قطع إسفنج أو بعض الملابس (أنظر الصورة من داخل أحد القواويش في السجن المركزي في رومية).

أمراض جلدية
بالإضافة إلى البرد الذي لا يفارقهم في ظل عدم وجود السبل اللازمة للتدفئة، يتحدث بعض السجناء عن مشكلتين إضافيتين لِما يعانون منه خلف القضبان: أولاً "المياه التي تسبب أمراضاً جلدية مختلفة عند استخدامها"، والمشكلة الثانية هي "عدم توفر الكمية اللازمة من الطعام المقدّم من قِبل إدارة السجن في ظل غلاء المواد الغذائية في الحانوت". وقد أرسل أحد السجناء صورة تظهر فيها يد مصابة بمرض جدري قال إنها يده.


أرسلنا الصورة إلى الأخصائية في الأمراض الجلدية الدكتورة إيمان عواضة التي أوضحت أن الإصابة تعود إلى التهابات جلدية غالباً ما تسببها المياه إذا كانت تحتوي على جرثومة العُنْقودِيَّة الذَّهَبِيَّة staphylococcus. وهذه الجرثومة قد تؤدي إلى مضاعفات صحية إذا لم تُعالج، وقد تسبب الجرب. لذا من الضروري تأمين بعض الأدوية الأساسية كالـ "Amoclan BID" الذي يبلغ سعر الـ 1 غرام منه حوالي 250.000 ليرة لبنانية (حبة صباحاً ومساءً)، ومرهم الـ "Fucidin" الذي يبلغ سعره حوالي 346.700 ليرة لبنانية (يدهن على الالتهابات مرة خلال النهار). كما يفضل تركيب فيلتر، وتعقيم خزانات المياه بمادة الكلور لقتل الجراثيم داخل مياه السجن.

سجون النساء
بالنسبة إلى سجون النساء تقول مديرة جمعية «دار الأمل» هدى القرى إن سجن بعبدا "يستقبل 100 نزيلة ضمن 5 غرف، أي 25 سجينة في الغرفة الواحدة، ولا تتوفر التدفئة عبر أنظمة داخلية أو مكيّف لتسخين الهواء. وليس لدى السجينات إلا أغطية للتدفئة". أما سجن بربر خازن في بيروت فهو سجن النساء الوحيد الذي يختلف وضع التدفئة فيه عن سجون القبة وزحلة وبعبدا. إذ إنه مجهز بنظام كهربائي للتدفئة داخل كل غرفة، ولا يتعدى عدد السجينات في كل غرفة ثمانية نزيلات.



الجمعيات تناشد
"مأساة كبيرة" كلمتين لخّص بهما رئيس جمعية «عدل ورحمة» الأب نجيب بعقليني حالة السجون اليوم. "فالتدفئة في ظل العواصف التي تهز لبنان هي شبه معدومة، يستفيد كل سجين في سجن رومية من غطاء واحد في ظل عدم وجود أي نظام داخلي للتدفئة لكل النزلاء، على الرغم من عدم انقطاع التيار الكهربائي داخل السجن، مما يتيح للنزلاء تشغيل السخّان الكهربائي، لكنه غير متوفر في جميع الغرف".
يضيف الأب مروان غانم رئيس جمعية «نسروتو» أن "الجمعية تحاول المساعدة لتأمين التدفئة عبر توفير الأغطية اللازمة. كما أن السجون تفتقر إلى نظام تدفئة داخلي، ما عدا سجن زحلة للرجال الذي أُنشئ حديثاً بنظام داخلي يتم تشغيله عند توفر الكميات اللازمة من مادة المازوت". كما ناشد "المعنيين لتركيب مثل هذه الأنظمة للتدفئة خصوصاً داخل سجون الأطراف المنسية في العادة".
القرار الأميركي بتجميد العقوبات على سوريا لمدة محدودة لا يشمل وزارة الصحة والمستشفيات الحكومية والطواقم الطبية وفرق الإغاثة التابعة لها


كما يدعو غانم إلى "تأمين الألبسة اللازمة لغير اللبنانيين، إذ إن الأجانب متروكون لوحدهم من دون مساعدة من قريب أو صديق"، مؤكداً على أن "معاناة السجين اليوم ليست فقط على صعيد التدفئة ولكن على صُعد الطبابة والمياه والطعام الذين يشكلون أهمية بالغة للسجين والتي هي من حقوقه الأساسية المنصوص عليها في القوانين والدساتير والمعاهدات الدولية".
ويضيف: "أدعو إلى إيجاد الحلول المناسبة لهذه المشكلات قبل أي شي آخر، وهي تأمين الدواء لمرضى السكري والقلب".
"ما زال النقص موجوداً على الرغم من مساعدتنا، وليس أمامنا سوى جمع التبرعات والسماح للجمعيات بالدخول أكثر إلى السجون وتكثيف الزيارات". بحسب ريتا فرحات، ممثلة جمعية الأب عفيف عسيران، السخّان الكهربائي أكثر من ضروري لكل السجناء، حيث من الأفضل توفّر اثنين على الأقل. وتضيف فرحات "نناشد المعنيين للمساعدة في تأمين سخّانات للتدفئة في أسرع وقت ممكن حرصاً على سلامة السجناء في هذا الطقس العاصف".
علماً أن السخّانات لا تشكل حلولاً مناسبة لمعالجة التدفئة داخل السجون. لكن ما البديل؟ فلا شك أن السجون مهددة باشتعال حريق فيها، كذلك السجناء مهددون بخطر الصواعق الكهربائية نتيجة لاستعانتهم بسخانات يدوية الصنع داخل القواويش. لكن يبدو أن البرد القارص يدفع السجناء إلى تجاهل كل المخاطر على حياتهم وسلامتهم.