يعيش اللبنانيون الآن في خضّم تأسيس عقد اجتماعي جديد، إلا أن هذا العقد غريب هجين قائم على عناصر عدة، أهمها: أولاً، لهذا العقد صفة الإذعان خلافاً للعقود الاجتماعية السابقة التي عرفتها البشرية. فاللبنانيون والمقيمون على الأراضي اللبنانية ملزمون حكماً بهذا العقد الذي يضعه ويطبّقه صانعو السياسات الاقتصادية، من دون أي نقاش مع أي من الجهات الاقتصادية والاجتماعية الفاعلة، وكأنه حكم توتاليتاري اقتصادي.
ثانياً، يتميز هذا العقد بأنه عقد ساحق للطبقات الاجتماعية الفقيرة ومُفقر لطبقات أخرى لم تكن كذلك.
ثالثاً، قيام هذا العقد على أنقاض أموال المودعين، كما قامت «سوليدير» على أنقاض مالكي عقارات مدينة بيروت في الفترة السابقة للعام 1990.
رابعاً، الخطير في هذا العقد أن عنوانه «الرأسمالية المفرطة» التي لا تجد فيها أياً من عناصر دولة الرعاية الاجتماعية أو الحماية الاجتماعية المفقودتين، في ظل عدم وجود مؤسسات ضامنة رسمية قادرة على القيام بدورها.

(مروان بوحيدر)

خامساً، المخيف من جهة أخرى أن غياب العدالة الاجتماعية مقترن مع غياب القضاء أيضاً، في ظل عدم اهتمام القائمين على هذا العقد بهذا المرفق. وكأن الهدف البعيد هو خصخصة القضاء على قاعدة أن من يملك أكثر يفوز بمنحة اللجوء إلى القضاء، بسبب عدم قدرة المتقاضين على تسيير مرفق القضاء بأموالهم إلا من كان مقتدراً على هذا التسيير.
سادساً، يلاحظ دخول مفاجئ لمحتكرين جدد وغياب ملفت لمحتكرين سابقين، ما يؤكد استمرار احتكار سلع اللبنانيين مع تغيير في توزيع أوراق الاحتكار.
سابعاً، انتقال المصارف من ضفة الحاكم المطلق الذي لأجله توضع السياسات وعلى مقاسه، إلى ضفة أخرى تجعله مستفيداً من معظم السياسات وليس كلها، ومستفيداً من إعفائه من أموال المودعين عن المرحلة السابقة بناء على قاعدة «عفا الله عمّا مضى» مقابل دور محدود له في المرحلة المقبلة.
ثامناً، بروز قوي لأنظمة بديلة عن المصارف تقوم على إرساء نظام دفع مؤقت وقد يدوم لسنوات، قائم على شركات تحويل الأموال التي تتولى الدفع عبر بطاقات الدفع الإلكترونية الخاصة بها وبرامجها وتطبيقاتها الإلكترونية التي ربما نجحت في صدقية تعاملها، حالياً، مع المواطنين.
والأغرب أن الدولة تعتمد في هذا العقد على مبدأ «الخصخصة بالإهمال»: الصحة والطاقة والمياه والنقل، والبيئة.. كلها مواضيع لجأت الدولة إلى ابتداع طريقة لخصخصتها عبر إهمالها، ما دفع المقيمين إلى البحث عن بديل، فكان المقتدر القوي هو الأجدر بحيازة القدرة على الفوز بالامتياز، كالمولّد مثلاً وشركة التأمين وغيرهما. هكذا تتهاوى دولة الرعاية الاجتماعية لتصبح منصّة تشهد على سلب الحقوق.
ربما يعيش اللبنانيون في مكان واحد، لكنه حتماً ليس «دولة». إنه مجرّد منصّة تجمعهم.