في باحة المجمع التجاري المكشوفة، احتمى سكان مبنيَي «حيرام» و«جودي» في صور من زلزال تركيا. فجر أمس الاثنين، في العراء وتحت زخات المطر وبمواجهة أنواء البحر العاصفة، تظلّلوا خشية انهيار منازلهم المتصدّعة من دون هزّات، فلا تحتمل زلزالاً. سمع بعضهم أصوات طقطقة في قضبان الحديد، وتهافت لأجزاء الاسمنت من الأسقف والجدران والأعمدة المتفسّخة، إثر شعورهم بالهزّة القوية. غادروا منازلهم على عجل وحاولوا الابتعاد عن المبنيَين المجاورين لدوّار البص. لم يجدوا مكاناً أكثر أمناً من باحة «سنتر الساحلي». مكثوا لساعات قبل أن تغلبهم قسوة العاصفة. عادوا إلى بيوتهم، وما لبثوا أن غادروها مجدداً بعد شعورهم بالهزات الارتدادية. ومع ساعات الصباح، عادوا مجدداً.
دفاع مدني أو ساكن؟
حسين فارس أحد أولئك السكان المعرّضين للخطر. لكنه يزيد عنهم لكونه مسعفاً في الدفاع المدني. يشير في حديثه إلى «الأخبار» إلى أنه دعا جيرانه إلى التجمّع في العراء. وفي حال إصابة أحد بأذى، كان يملك أدوات الإسعافات الأولية. يستعرض ما كان يمكن أن يفعل فيما لو تطور أمر زلزال تركيا، ثم ينتبه مستسفراً: «تسألينني ماذا سأفعل كدفاع مدني أم كساكن؟». كساكن لا يملك فارس شيئاً. يعتمد على الله وحده في الرحمة به وبأسرته وجيرانه في المبنيين. قبل شهر ونصف شهر، قصد بلدية صور التي يقع المبنيان في نطاقها العقاري للإخطار عن الخطر الداهم بهما. «حضر مهندس من البلدية وكشف عليهما، وأكد ضرورة أن تصدر البلدية سريعاً إنذاراً للمالكين بالترميم العاجل بسبب خطر السقوط. لكن لم يحدث شيء منذ ذلك الحين». فارس يقيم في «سنتر حيرام» منذ تشييده خلال الحرب الأهلية. «شيّد مبنى جودي بثلاث طبقات قبل أن يلصق به مبنى حيرام بسبع طبقات. «بني عالطفيشة». وبعد سنوات قليلة، بدأت تظهر التصدّعات في الشقق».

البحر من كلّ جانب
حال «حيرام» و«جودي» تشبه حال معظم مباني صور. المدينة التي يحيط بها البحر من ثلاثة جوانب، تحيا على احتمال الموت انهياراً في كل لحظة. أحد المهدّدين بالموت، يوسف عبد الرزاق، يقيم في الطبقة السادسة الأخيرة من مبنى العائلة الذي شيّد عام 1985. «والدي وعمّي المغتربان شيّدا المبنى عن بعد بتكليف مقاول نصحهما بزيادة ثلاث طبقات إضافية على الطبقات الثلاث الأساسية. على مرّ السنوات، تبيّن بأن أساسات المبنى لا تحتمل الطبقات الست. فضلاً عن أن مواد البناء لم تكن بالجودة الكافية. وكان هواء البحر المقابل كفيلاً بأن يفتك بها في وقت أسرع». في الآونة الأخيرة، تكرّرت الانهيارات الجزئية من سقوف الشرفات وسقوف بعض الشقق. وضمن إجراءات الوقاية من الانهيار فوق الرؤوس، قسم عبد الرزاق سكنه بين بيروت وصور وأخلى الغرف المطلّة على الشرفات وأحكم إغلاقها وتحصّن في الغرف الداخلية. مع ذلك، لم يفلت من سقوط كتلة اسمنت على جانبه قبل نحو أربعة أشهر. لدى بلدية صور تقرير مفصل عن حال المبنى الذي أنذرت سكانه بضرورة تدعيمه. «جمعنا المبلغ المطلوب من السكان وأنشأنا أعمدة خرسانية إضافية تدعم الأساسات، وصولاً إلى السطح». لا يحتاج عبد الرزاق إلى هزة لكي تهتز أعصابه «في الشتاء خصوصاً، كانت تشتد الرياح، أستنفر وأجلس بانتظار الانهيار».

إشارات تحذيرية
ما فعله زلزال تركيا هو مضاعفة الخطر الداهم على مباني صور التي تشهد ظاهرة استثنائية بعدد المباني المتصدعة، فما السبب؟
في حديثه إلى «الأخبار»، يشير أحد مهندسي بلدية صور، حسن سرور، إلى أن «السبب الرئيسي لتآكل مباني صور استخدام رمل البحر غير المغسول في البناء. الرمل البحري يحتوي على الملح الذي يجعل قضبان الحديد التي تمسك كتل الاسمنت تهترئ وتصدأ سريعاً. لذلك، تتركز الانهيارات في فصل الشتاء عندما تثقل الأسطح بالمطر الغزير». بحسب سرور «لا يعلن المبنى عن خطورته فجأة، بل يطلق إشارات تحذيرية؛ منها إصدار أصوات طقطقة في الجدران والأعمدة تنذر بالسقوط القريب». ويستعرض سرور عدداً كبيراً من الأبنية الخطرة ولا سيما في الحارة القديمة. «حتى الآن، الله يلطف بأن اقتصرت الانهيارات على أجزاء من الشرفات والأسقف وعلى إصابات طفيفة بين الساكنين. لكن لا أحد يضمن من أنّ الآتي أعظم».
90 في المئة من مباني صور التي شُيّدت خلال الحرب الأهلية قد تكون آيلة إلى السقوط بسبب الخلل البنيوي في الإنشاء


من يموّل الدراسة؟
قبل الأزمة الاقتصادية، أبلغت بلدية صور سكان المباني المهددة بضرورة ترميمها. جزء قليل منهم تجاوب وتلقى مساهمة من البلدية. لكن الغالبية لم تكترث و«خلّتها على الله»، رغم اختبار هزة قوية تسببت بأضرار إضافية في شباط عام 2008.
مدير وحدة إدارة الكوارث في اتحاد بلديات قضاء صور مرتضى مهنا أعلن أن «90 في المئة من مباني صور التي شُيّدت خلال الحرب الأهلية قد تكون آيلة إلى السقوط بسبب الخلل البنيوي في الإنشاء وفي ظل مجاورتها للبحر، لكنّنا ننتظر إجراء دراسة فنيّة لتقييم وضعها بدقّة. فكيف ندير الواقع لكي لا تقع الكارثة؟ الوحدة، مع بلدية صور، طلبتا من الإدارات المعنية والهيئات المانحة إجراء دراسة فنية لتقييم أحوال مباني المدينة، من دون استجابة حتى الآن. «لا قدرة مادية لدينا لتمويل الدراسة. لذلك ننتظر استجابة من مجلس الإنماء والإعمار للتقييم درءاً للكارثة المحتمة» يقول مهنا. حتى ذلك الحين، يقتصر عمل الوحدة على تخفيف الكوارث التي تقع من دون القدرة على الوقاية منها. «نشفط مياه الأمطار والصرف الصحي التي تدخل إلى مستودعات الأبنية وتؤثر على الأساسات وننقذ السكان العالقين في الأبنية المتهافتة...». مهنا نفسه يستعرض جملة من العوائق التي تمنعهم حتى من مواكبة الكوارث، أبسطها ارتفاع كلفة النقل على الآليات!