لا يتوقع الكثير من لقاء باريس الخماسي الذي سيعقد على تطبيق «زوم»، المقرر الاثنين المقبل في غياب مؤشرات إقليمية أو دولية على قدرة المجتمعين أو رغبتهم في تحقيق اختراق في الملف الرئاسي الذي يبدو أنه سيراوح في فراغه طويلاً، رغم أن تمثيل الدول المشاركة لن يكون على مستوى متدنٍّ، إذ تشارك في اللقاء مساعدة وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الاوسط باربرا ليف، مستشار الرئيس الفرنسي باتريك دوريل، مستشار الديوان الملكي السعودي نزار العلولا الى جانب السفير السعودي في بيروت وليد البخاري، مساعد وزير الخارجية المصري للشؤون العربية السفير علاء موسى الى جانب السفير نزيه النجاري، ونائب وزير الخارجية القطري السفير منصور العتيبي.بيان الخارجية الفرنسية وصف اللقاء الذي يضم فرنسا والولايات المتّحدة والسعودية وقطر ومصر بأنه «محاولة لتشجيع السياسيين اللبنانيين على إيجاد مخرج للأزمة التي يتخبّط بلدهم فيها». لكن هناك «قناعة بصعوبة بلوغ تسوية في لبنان من خارج عملية ترسيم النفوذ في المنطقة»، وفقَ مصادر مطلعة بدت أكثر ميلاً للقول إن «لا نية لدى هذه العواصم، تحديداً الرياض وواشنطن، لفك الاشتباك في لبنان وحول رئاسته في الوقت الراهن». إذ إن باريس التي عملت على استمالة الرياض إلى الانخراط في تسوية مستقلة للبنان على قاعدة تفكيك الأزمات في المنطقة عن بعضها بعضاً، وجدت نفسها مُستدرجة إلى دفتر الشروط السعودي الذي سيكون الطبق الرئيسي على طاولة البحث، وسيكون هو نفسه محور البيان الختامي للاجتماع. وهذه الشروط هي خليط من بيان «جدّة» والبيان «الفرنسي – الأميركي – السعودي» و«الورقة الكويتية»، ما يعني التركيز على مطالب خارجية أكثر من التركيز على حاجات لبنان المباشرة، والإبقاء على المساعدات الاقتصادية رهن الموقف السياسي وما يقوم به اللبنانيون من خطوات تناسب الدول المانحة.
عشية الاجتماع، سادَ انطباع بأن ثمّة جهوداً داخلية تنصبّ على تأمين مناخ يُلاقي التطورات الإقليمية، وينتج منها رئيس تسوية للجمهورية. وعزّز هذا الانطباع حراك رئيس الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط، والذي اقتصرت نتائجه على إخراج النائب ميشال معوّض والورقة البيضاء من لائحة المتنافسين والإعلان رسمياً، للمرة الأولى، عن قائد الجيش العماد جوزيف عون مرشحاً للفريق الذي يمثله جنبلاط، في مواجهة رئيس تيار المردة سليمان فرنجية المدعوم من ثنائي حزب الله وحركة أمل وحلفائهما.
ورغمَ ما أوحت به هذه الحركة من وضع قائد الجيش على سكة الترشيح الجدّي وتبنّيه من قبل الخارج، تحديداً السعودية، في ضوء زيارة السفير السعودي في لبنان وليد البخاري إلى اليرزة، يرتسم في لبنان سيناريو معاكس للآمال بالحل. إذ إن الوقائع المستجدّة كشفت عن مشهد ملتبس وحمّال أوجه طبعته اتجاهات سلبية من زوايا عدّة.
الأولى، تتمثل في التبني غير المعلن لعون من قبل فريق ومحور معين، ما يجعل منه مرشّح مواجهة يدفع بالطرف الآخر الذي يدعم فرنجية إلى التشدد أكثر في خياره، ويكرّس مرحلة التوازن السلبي على أن يُملأ الوقت الضائع بمزيد من تداعيات الفراغ على مختلف المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وربما الأمنية.
الثانية، تماهي وزيرة الخارجية الفرنسية، كاترين كولونا، في مقابلة مع صحيفة «الشرق الأوسط» السعودية، مع مواقف الرياض بالتأكيد على «تنفيذ الالتزامات مع شركائنا في منطقة الخليج، لا سيّما المملكة العربية السعودية، والتي تجسدت في استحداث آلية إنسانية مشتركة بداية من عام 2022»، وأن «تعزيز التفاهم مع المملكة هو أفضل ردّ على أنشطة إيران المزعزعة للاستقرار في المنطقة».
ثالثاً، ما يرّوج له مقربون من المملكة والبخاري، عشية لقاء باريس، عن أن «الورقة التي ستصدر عنه لن تكون خارج الإطار الذي حددته سابقاً الدول المشاركة في بيان جدة والورقة الكويتية، لا سيما في ما يتعلق بالتزام لبنان مسار الإصلاح السياسي والاقتصادي والمالي، واعتماد سياسة النأي بالنفس والالتزام بالقرارات الدولية الصادرة عن مجلس الأمن الدولي، لا سيما القرارين 1559 و1701، ما يعني تمسّك الأطراف وتحديداً الرياض بسقف شروط عال سيمدد الأزمة».
وقالت مصادر مطلعة أن «اللقاء سيؤكد على وجوب تسريع إنهاء الشغور الرئاسي، ووضع مواصفات للرئيس المقبل لا تنطبق على مرشح الفريق الآخر من دون الدخول في أسماء معينة». كما سيشدد على تنفيذ الإصلاحات الهيكلية والاقتصادية المطلوبة بشكل عاجل لمواجهة الأزمات السياسية والاقتصادية، وتحديداً الإصلاحات اللازمة للتوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي، بما يُتيح حشد المساعدات المالية المطلوبة»، مع «إمكانية التهديد بفرض عقوبات على الجهات التي تعيق تنفيذ هذه الإصلاحات».