علّمت الأزمة الاقتصاديّة اللبنانيين أن يعرفوا قيمة كلّ شيء، حتى النفايات. لم يعد هنالك من شيء مجانيّ، أو «ما إلو عازة»، وكل ليرة باتت تشكل فرقاً، وإن كان مصدرها من المهملات حتى باتت عملية فرز النفايات في المنزل مدرّة للمال، وتخدم المجتمع بأكمله. فمن ناحية يستفيد من يفرز مادياً، ومن ناحية ثانية يخدم مجتمعه من خلال الحفاظ على البيئة، ويؤمن فرص عمل لغيره من العاملين في مراكز معالجة النفايات المفرَزة، وصولاً إلى توفير دولارات يحتاج إليها البلد من خلال إعادة تصدير المواد المفرَزة أو بيعها إلى مصانع محليّة تستخدمها في عملية الإنتاج. مطلع الشهر الجاري افتتحت مؤسسة «إدارة نفايات لبنان» Lebanon Waste Management أول فرع لشراء النفايات على طريقة الـDrive Throw في محطة IPT في منطقة الدكوانة – الصالومي، حيث وبدل أن تُرمى النفايات من النافذة، بات بالإمكان تسليمها من شباك السيارة وتسلّم ثمنها نقداً بحسب صنفها ووزنها بالكيلوغرام.
يشرح بيار بعقليني، مؤسس إدارة نفايات لبنان والناشط البيئي، أن «هذه المبادرة هي الأولى من نوعها في لبنان والعالم التي تعتمد طريقة الـDrive Throw، والهدف الأساسي منها هو نشر ثقافة الفرز وحماية البيئة لدى المواطنين وذلك من خلال منحهم محفّزات مادية مقابل كل كيلوغرام من النفايات يقومون بفرزه».
يستقبل الفرع تشكيلة واسعة من النفايات المفرَزة، ولكلّ منها سعر محدد بالكيلوغرام: كيلوغرام الألومنيوم 27 ألف ليرة، كيلوغرام زيت القلي المحروق 25 ألف ليرة، كيلوغرام طبقات زجاجات المياه البلاستيكية 8 آلاف ليرة، كيلوغرام زجاجات المياه البلاستيكية 7 آلاف ليرة، كيلوغرام الإلكترونيات 5500 ألف ليرة، كيلوغرام غالونات أو زجاجات الشامبو البلاستيكية 5 آلاف ليرة، كيلوغرام الفلين 5 آلاف ليرة، كيلوغرام الحديد 5 آلاف، كيلوغرام النيلون 1500 ليرة، كيلوغرام الكرتون والورق 1000 ليرة.
باتت عملية فرز النفايات في المنزل مُدِرّة للمال وتخدم المجتمع بأكمله


ويلفت بعقليني إلى أن «المبادرة لاقت رواجاً كبيراً بين المواطنين، وهو ما حفّزنا على توسيع نشاطاتنا وافتتاح الفرع في الدكوانة، والذي سيتبعه فرع آخر في الضبية بعد أسبوعين، على أن نفتتح 5 فروع أخرى خلال هذا العام الجاري. فالبداية كانت من فرعنا الأساسي في منطقة سد البوشرية في شهر حزيران الماضي، حيث استقبلنا 5 آلاف شخص، قاموا بحوالى 10 آلاف عملية تسليم نفايات تخطّى وزنها الـ 300 طن، وهو ما يؤشر إلى أن الشخص الواحد قام بأكثر من عملية واحدة، وبأن هذه ثقافة الفرز بدأت تتسلل إلى النفوس والعقول وإن كان عبر محفّزات مالية». وفي هذا الإطار يوضح بعقليني أن «الزبائن يُقسمون إلى فئتين: فهنالك من يشجعهم المكسب المادي، ولكن مع الوقت يعتادون على الفرز بشكل تلقائي، وهنالك الأفراد الذين يمكن تسميتهم بالبيئيين والمؤمنين بالفرز وأهميته ويقومون بالأمر لقناعتهم بأن الفرز هو الإجراء السليم والصحيح».
ويعيد بعقليني نجاح مبادرتهم إلى كونها تعتمد الشفافية. «فالناس في مراحل عدة تجاوبوا مع الفرز بشكل عام، قبل أن يفقدوا الثقة حين تبيّن لهم طريقة تجميع النفايات في الشاحنات ومن ثم في المطامر، لذلك نحرص على أن يكون عملنا واضحاً وعلنياً، سواء عبر العين المجرّدة أو من خلال فيديوهات ننشرها بشكل مستمر وتُظهر كيف نعالج النفايات المفرَزة في مركزنا».