بين الزيارة الأولى لوزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا للسعوديّة وموعد لقاء باريس الخماسي حول لبنان الإثنين المقبل، حطّ السفير السعودي وليد البخاري في اليرزة. مقرّبون من قيادة الجيش أكّدوا أنّ «الزيارة عاديّة ولم يتطرّق أحد إلى الحديث عن الملف الرئاسي، بل بقي الكلام في الشؤون العامّة». بالتالي، «لا يجب أن تُحمّل أكثر ممّا تحتمل» خصوصاً أن السعوديّة لا تزال تؤكد أنها لا تريد الغوص في الملف اللبناني، وأن ممثلها في الاجتماع الخماسي، المستشار في الديوان الملكي نزار العلولا، سيصرّ على أن بلاده تريد حصر دورها في لبنان بتقديم المساعدات الإنسانيّة عبر «الصندوق السعودي - الفرنسي لدعم الشعب اللبناني».رغم ذلك، من الواضح أن الزيارة «غير عادية»، خصوصاً أن البخاري لا يزور قائد الجيش جوزيف عون إلا «من السنة للسنة». وهي «غير عادية» أيضاً لتزامنها مع مبادرة رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط التي تروّج أساساً لترشيح قائد الجيش لرئاسة الجمهوريّة. لذلك، تضع مصادر مطلعة الزيارة في إطار «رسالة انفتاح» على عون قبيل انعقاد الاجتماع الخماسي الذي يتردّد عن أن فرنسا ستطرح فيه معادلتين: عون - ميقاتي أو عون - نواف سلام.
ما يزيد هؤلاء يقيناً بأنّ للزيارة صلة بالملف الرئاسي هو زيارة وفد من نواب «تكتل الاعتدال الوطني» (أربعة نواب سنّة من خمسة هم وليد البعريني ومحمد سليمان وأحمد الخير وعبد العزيز الصمد) إلى اليرزة، قبل يومين من زيارة البخاري، أكّد فيها هؤلاء «الدعم المطلق للمؤسسة العسكرية والرهان الدائم عليها». في وقت كانت كل المؤشرات تدل إلى أن أصواتهم ستصب لمصلحة رئيس تيار المردة سليمان فرنجيّة في حال ذهب حلفاء الأخير إلى جلسة لانتخابه بأكثرية الـ65 صوتاً، وبعضهم جاهر سابقاً بتأييد خيار فرنجيّة، ما يعني أنّ «البوانتاج» المعمول على أساس احتساب أصوات النواب الخمسة ضمن المؤيدين لرئيس تيار المردة قد يكون بحاجة لتدقيق أكبر.
هذا ما ينفيه النائب أحمد الخير لـ«الأخبار»، مؤكداً أن «الكتلة» لم تحسم بعد خيارها في التسمية ولو أن هناك من يميل إلى هذا الخيار أو ذاك، «وإنّما القرار يؤخذ بالغالبيّة وسيكون بعد مشاورات داخلية بناء على ثابتتين: المصلحة الوطنية والاعتبارات المناطقية والبيئة التي نأتي منها. والدليل أن بعضنا كان متحمساً سابقاً لخيار ميشال معوّض إلا أن الغالبيّة رفضت التصويت لمصلحته»، موضحاً أنّ «اللقاء مع قائد الجيش حُدّد منذ أكثر من أسبوعين، ولم نتطرق إلى الأمور السياسة بل ركزنا على ما تعانيه منطقتنا من حوادث أمنية متكرّرة».
نواب «الاعتدال الوطني» في اليرزة: لم نحسم خياراتنا الرئاسية بعد


رغم ذلك، تعتقد المصادر بأن السعوديّة بدأت مهمّة استطلاع مع انتقال الاستحقاق الرئاسي من مرحلة أسماء «محروقة» أصلاً إلى أخرى أكثر جديّة. بالتالي، فإن المملكة تحتاج إلى تفاصيل لحسم خيارها، إما بحجز بطاقة العودة إلى الدّاخل اللبناني أو بالاستمرار في ارتداء «قفازاتها» في التعاطي مع الملفّات الحامية.
هذا السيناريو سيُعطي أملاً أكبر لجنبلاط، خصوصاً أن العارفين يؤكّدون أنّه لم يُنسّق مبادرته مع السعوديين، ولكنه ما كان ليبادر قبل جس النبض السعودي عبر إيفاد الوزير السابق وائل أبو فاعور إلى المملكة قبل نحو أسبوعين. ويشير متابعون إلى أنّ أبو فاعور فهم من السعوديين عدم رغبتهم في وصول فرنجية إلى القصر الجمهوري. ولإدراك زعيم «المختارة» أن النائب ميشال معوّض «خلق كي يموت» كمرشحٍ رئاسي، «طحش» بعون كاسمٍ جدي ويُمكن الوصول إلى اتفاقٍ عليه، خصوصاً أنّه لم يلمس «فيتو» سعودياً على اسمه، تماماً كتأكده بأنها لن تتبنّاه أو تتبنّى اسماً آخر.
هكذا، تصرّف جنبلاط باجتهادٍ شخصي، ولو منسّقاً مع الخارج، خصوصاً أنّه يعلم أن الفرنسيين كما الأميركيين لن يرفضوا عون، بعد أن تبنّته قطر سابقاً وحاولت تسويقه لدى رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل. كما يحاول جنبلاط التدقيق في الموقف الأميركي أيضاً، ويتردّد أن لقاءه بالسفير البابوي في لبنان المونسنيور باولو بورجيا منذ يومين، يصب في هذا الإطار، خصوصاً أن فرنسا تنسّق مع الفاتيكان في طروحاتها.
وإذا كانت زيارة البخاري تُعطي «دعماً»، ولو معنوياً، إلى قائد الجيش، فإنها في الوقت عينه لا تُقدّم ولا تؤخّر على أرض الواقع طالما أن حزب الله وحركة أمل ما زالا مقتنعين بأنّ فرنجيّة هو مرشحهما، وأن المحاولات الآيلة إلى التفاوض على اسم عون لن تدخل مرحلة جدية قبل عبورها عبر ممر الثنائي الشيعي.