غداً، ستكون أبواب مجمّع الجامعة اللبنانية في الحدث، الذي يضمّ نحو 11 كلية، مشرّعة للمجهول، فلا تشغيل ولا صيانة ولا كناسة ولا نظافة ولا حراسة. فقد أبلغت شركة «دنش» للمقاولات والتجارة، الملتزمة خدمات تشغيل وصيانة المجمّع، الجامعة أنها ستتوقف عن إسداء الخدمات لمنشآته، اعتباراً من 31 كانون الثاني الجاري، مخلية مسؤوليتها عن أي ضرر لاحق، وقد أصدرت بياناً في هذا الخصوص. هذا يعني أن الحياة الجامعية ستتعطل في المجمع، فلا كهرباء ولا مياه ولا مصاعد ولا إنترنت ولا خطوط هاتف. والطلاب لن يتمكنوا من متابعة مقرّراتهم في القاعات والمدرّجات، كذلك سيعجز الموظفون الإداريون عن إصدار إفادة، أو حتى إجراء اتصال هاتفي من مكاتبهم. وبعدما كان مقرّراً أن تصدر رئاسة الجامعة، اليوم، أسماء الطلاب المقبولين للتسجيل في السكن الطالبي لهذا العام، فإن قرار «دنش» فرمل هذه الخطوة، «إذ لا يمكن المغامرة بفتح السكن من دون تأمين التشغيل والصيانة اللازمين»، كما قال لـ«الأخبار» رئيس الجامعة بسام بدران.
تمديد سياسي
ومعلوم أن عقد الشركة مع الدولة، ممثلة بمجلس الإنماء والإعمار، بدأ في 31 كانون الأول 2016 وانتهى في 31 كانون الأول 2019، بقيمة نحو 18 مليون دولار وفق سعر الصرف 1500. ومُدّد 3 أشهر حتى 31 آذار 2020، وقد دفعت الحكومة المستحقّات حتى هذا التاريخ. إلا أن الشركة استمرت بتسيير المرفق بعد ذلك بفعل الضغوط السياسية ومن دون أيّ تمديد للعقد، بعد فشل ثلاث مناقصات عمومية لعدم تقدّم أيّ عارض جديد، فيما لم تدفع الدولة لـ«دنش» مستحقاتها.
وكان الرئيس السابق للجامعة فؤاد أيوب قد طلب، في كتاب وجّهه في حزيران 2020 إلى وزير التربية السابق طارق المجذوب، الموافقة على طلب مجلس الإنماء والإعمار تمديد مهلة العقد من الأول من نيسان 2020 لغاية 31 تموز 2020 وتحويل الاعتمادات اللازمة بقيمة مليونين و520 ألف دولار من موازنة وزارة التربية كمساهمة للمجلس لزوم صيانة وتشغيل الجامعة. إلا أن المجذوب رفض يومها دفع ما سمّاه «أموالاً غير مستحقّة» خلال فترة وباء كورونا، والإقفال القسري، وطلب الإفادة بما تم تنفيذه من أعمال خلال هذه المدة. واستند في ذلك إلى قرار لديوان المحاسبة يفيد بأن التكلفة لا يمكن أن تكون مماثلة للأيام العادية، وأن الجامعة يمكن أن تقوم بالتلزيم بدلاً من مجلس الإنماء والإعمار الذي لا يخضع للرقابة المسبقة للديوان.
بدران: تنتظر الجامعة من الحكومة تخصيص 10 ملايين دولار للصيانة والتشغيل


ومنذ تسلّم بدران الرئاسة في أواخر تشرين الأول 2021، بدأت شركة «دنش» تهدّد بتوقف الأعمال، إلى أن صدر قرار مجلس الوزراء الرقم 4 بتاريخ 12 أيار 2022، الذي أقرّ إعطاءها 133 مليار ليرة، وكلّف الجامعة باتخاذ الإجراءات اللازمة لتسلّم منشآت الجامعة في الحدث في مطلع العام 2023. ولمّا لم يطبّق قرار مجلس الوزراء، أبلغت الشركة رئاسة الجامعة أنها ستخلي مسؤوليتها ابتداءً من 31 كانون الأول 2022، ما دفع الجامعة إلى الإعلان، قبل هذا التاريخ، عن مناقصات أربع منفصلة للتشغيل والصيانة والكناسة والحراسة، علّ المتمولين يتقدّمون على إحداها، إلا أن المحاولة باءت بالفشل مرة أخرى، لكون الجامعة غير قادرة قانوناً على إطلاق مناقصة بالفريش دولار، ولم تعد كما في السابق البقرة الحلوب كي يستمر مسلسل ابتزاز المتموّلين لها، فهؤلاء باتوا يحجمون عن المشاركة في أيّ مناقصة على خلفيّة تذبذب سعر صرف الدولار. ومنذ نحو 10 أيام، عادت رئاسة الجامعة وكرّرت الإعلان عن مناقصة جديدة في هذا الخصوص، بلا أي جدوى.
ينفي بدران أن تكون الجامعة قادرة على تسلّم المنشآت كما نصّ قرار مجلس الوزراء، فصيانة المجمع وتشغيله ليسا بهذه البساطة، ويحتاجان إلى توظيف عدد كبير من المهندسين والعمال والموظفين، وامتلاك القدرة على تشغيل المعدات والتجهيزات الضخمة في المجمع، «وحتى لو استطعنا تأمين هؤلاء، من يضمن لنا دفع مستحقاتهم؟»

ماذا تنتظر الجامعة؟
في ما عدا التشغيل والصيانة، أحوال الجامعة ليست بخير. هي أشبه، كما تقول مصادر الأساتذة، «بسيارة خربانة بس ماشية». صحيح أن الأساتذة لم يعلنوا الإضراب حتى الآن، إلا أن غلياناً يسود صفوفهم، ولا سيما منهم الأساتذة المتعاقدون، لعدم قدرتهم على تأمين أبسط المستلزمات المعيشية. وما أخذوه من تقديمات، على غرار باقي مكوّنات القطاع العام، ولا سيما لجهة ضرب الرواتب بثلاثة، كان على سعر صرف 25 ألف ليرة مقابل الدولار الواحد، وقد فقد قيمته تماماً مع ارتفاع السعر إلى 60 ألفاً لليرة مقابل الدولار الواحد.
وكانت الهيئة التنفيذية لرابطة الأساتذة المتفرغين في الجامعة اللبنانية قد دعت رئاسة الجامعة في بيان أصدرته إلى «إعادة النظر بالتعليم الحضوري إلى حين تسوية الأمور وتوفير بدل النقل المناسب للأساتذة المتفرغين والمتعاقدين والموظفين الذين يتكبدون مصاريف تفوق ما يتقاضونه تحت مسمّى رواتب ومساعدات اجتماعية، مع العلم أن الطلاب في العديد من الفروع وخاصة في المناطق البعيدة يحجمون عن الحضور إلى قاعاتهم وصفوفهم لعدم قدرتهم على الانتقال، ما يجعل الهدف من العودة إلى التعليم الحضوري محل نظر».
وإن لم تكن هناك مشكلة حتى الآن في تأمين مادة المازوت، ومواد القرطاسية وغيرها، على الأقل في مجمع الحدث، تعيش مختبرات الجامعة حالة يرثى لها لجهة عزوف المدربين عن تحضير العمليات وهجرة الأساتذة، واقتصار العمل المخبري على الضروريات واختصار الكثير من المعطيات المطلوبة في المنهج، وغياب القدرة على صيانة أيّ عطل أو إصلاحه في حال حدوثه، والعجز عن توفير المواد الأساسية المستوردة وحتى المصنّعة محلياً، ومنها المياه المقطّرة على أدنى تقدير.
الجامعة، كما يقول بدران، تنتظر من مجلس الوزراء تخصيص مبلغ 10 ملايين دولار «فريش» للصيانة والتشغيل، ومبالغ بالليرة اللبنانية للحراسة والكناسة. ويشير إلى أنها «تستحق من الدولة، بعد نجاحها في العودة إلى التعليم الحضوري، وإثباتها أنها رقم صعب في التصنيفات الجامعية العالمية، التحرّك لكي لا يخسر البلد جامعته الرسمية، والعمل لإقرار الملفات الأساسية لصمودها، ومنها: تشغيل المجمّعات، دعم الأساتذة بالفريش دولار، إصدار عقود المدربين أصولاً من أجل حجز الاعتمادات والدفع الشهري، إعطاء بدل نقل للأساتذة المتعاقدين، إدخال الأساتذة المتعاقدين المتفرّغين في الملاك، إلا إذا كان المطلوب العودة إلى التعليم عن بعد، وهو القرار الأمرّ، إنما الأسهل بالنسبة إليّ، فليقولوا لي».