بنت جبيل | منذ الاستنفار العسكري الضخم لحزب الله على طول الحدود بين لبنان وفلسطين المحتلة خلال مفاوضات ترسيم الحدود البحرية، أيقن العدو أن المقاومة تسلك طريقاً يصعب تعطيله بالإجراءات والتحذيرات العادية، وأن توجيه ضربات إليها تشبه ما يحصل في سوريا أو العراق أو غيرهما، دونه مخاطر دخول حرب واسعة كان متيقناً من استعداد المقاومة لخوضها حتى النهاية، وهو ما ظهر واضحاً في مسارعة المؤسستين الأمنية والعسكرية في إسرائيل إلى تحذير المستوى السياسي من أي محاولة للمناورة في ملف الترسيم البحري.بعد انتهاء عملية الترسيم، كانت المقاومة قد قررت سلسلة إجراءات في المنطقة المتاخمة للحدود مع فلسطين، تلبي حاجاتها المباشرة لناحية الاستطلاع المباشر أو الانتشار أو غيرهما من الأعمال العسكرية، ما أدى إلى محاولة العدو الدخول في إثارة مشكلة بين المقاومة وقوات الطوارئ الدولية التي تقدم على ممارسات لا تعدو كونها نشاطاً لمصلحة الإسرائيليين وبالنيابة عنهم. ووردت تحذيرات إسرائيلية إلى لبنان، قامت على أساس تقييمات جديدة لدى الجهات المعنية في الكيان، خصوصاً بعد التغيير في رئاسة هيئة أركان جيش الاحتلال ووصول جنرال جديد يحاول إثبات حضوره في كل الجبهات.
لكن، كان لافتاً أن التقييم الإسرائيلي الاستراتيجي للعام 2023 الصادر عن معهد دراسات الأمن القومي، انتهى إلى خلاصات منها أن «حزب الله في لبنان يزداد قوة عسكرية، وقد أصبح التهديد التقليدي الرئيسي لإسرائيل»، وأن «إسرائيل بعيدة عن الاستعداد الكافي، لا سيما في الظروف المحتملة للحرب مع حزب الله وبدرجة أقل مع حماس»، متوقعاً في أي حرب مقبلة أن «تتعرض البنى التحتية لضربات شديدة غير مسبوقة بسبب الهجمات بأسلحة بعيدة المدى، بعضها دقيق وثقيل».
ونقل المراسل العسكري لموقع «والاه» أمير بوخبوط، أمس، أن قائد القيادة الشمالية اللواء أوري جوردين «يأمر بالقيام بعملية هندسية دائمة ومستمرة على طول الحدود الشمالية لتحسين الدفاع... بقصد تحويل السياسة الجديدة إلى عنصر ضاغط على حزب الله الذي لم يعتد على رؤية نشاط غير عادي في المنطقة».
عملياً، منذ أن بدأت جمعية «أخضر بلا حدود» انتشارها المكثف على الحدود، دشّن العدو مساراً جديداً في مواجهة ذلك. فحاول استكمال بناء الجدار الإسمنتي حول مستعمرة المطلة، لكن المستوطنين رفضوا ذلك لإضراره بالبلدة سياحياً، ولأن الجدار غير قادر على الوقوف في وجه المسيّرات والصواريخ. حينها قرّر جيش العدو القيام بأعمال هندسية خلف السياج الحدودي.
في المقابل، لاحظ سكان القرى الحدودية، في الأيام الماضية، نصب أبراج على الجانب اللبناني بحجم بناء من سبع طبقات. وقد عمد العدو إلى إبلاغ القوات الدولية بأن حزب الله يستخدم هذه الأبراج لمراقبة العمق الإسرائيلي بعد بناء الجدار واتخاذ إجراءات ميدانية تمنع اقتراب عناصره من الحدود.
ورداً على انتشار «أخضر بلا حدود»، وإقامة نقاط وأبراج، بدأ العدو في كل المناطق الحدودية التي لا يتطابق فيها السياج التقني مع الخط الأزرق - وحتى في المناطق التي فيها تطابق - بعملية تجريف عند الخط الأزرق. وأبرز هذه النقاط كانت في خلة المحافر (عديسة) التي تعتبر نقطة تحفظ، فعمد العدو إلى ضمها للأراضي المحتلة عبر تمديد أسلاك حولها. كما سبق أن أقفل جيش العدو ثغرات في المناطق الحدودية، وعمل على تحصين السياج الحدودي في المناطق التي يعتقد أن المقاومين قد يستخدمونها كمحاور هجومية. لكن هذه الأعمال التي امتدت على مختلف المناطق الحدودية في القطاعين الشرقي والغربي، غالباً ما تتم من دون خرق الخط الأزرق. وبحسب ما هو واضح فإن هذه الأعمال هي عبارة عن حفر خنادق خلف السياج وشيارات صخرية لمنع أو تعقيد أي محاولة للعبور إلى الداخل المحتل.
في البداية، كان هناك تقصير من ناحية الجيش اللبناني الذي لم يقم بأي إجراءات جدية لوقف اعتداءات العدو، عندما ضمّ مناطق متنازعاً عليها. لكن الجيش تصرف بطريقة مختلفة مع أشغال العدو قبل أيام في منطقة المطلة، حيث يتطابق السياج مع الخط الأزرق. ولتجنب خرق الخط الأزرق عمد العدو إلى مد حاضور الجرافة خارج السياج لتنظيف المساحة المحيطة بالسياج، وهو ما يعدّ خرقاً أيضاً.
حفر خنادق خلف السياج وشيارات صخرية لمنع أو تعقيد أي محاولة للعبور الى الداخل المحتل


وعلمت «الأخبار» أن قيادة الجيش تواصلت مع القوات الدولية، التي تواصلت بدورها مع جيش العدو. إلا أن الأشغال لم تتوقف. عندها اقترب جنود الجيش اللبناني وحاولوا منع الخرق بأجسادهم، فاضطر العدو لسحب حاضور الجرافة ووقف العمل. إلا أنه بعد نحو 24 ساعة أعاد إدخال حاضور الجرافة، ولكن من دون استئناف الأشغال بعدما تمركز الجيش اللبناني في المكان ونصب خياماً ثابتة له. في غضون ذلك، استقدم العدو دبابات وآليات كبيرة ومزيداً من الجنود، وفي المقابل حضر عدد من ضباط الجيش اللبناني إلى المكان، إضافة إلى قائد القطاع الشرقي في القوات الدولية أيضاً، وجرى الاتفاق على وقف العدو العمل، والانتقال إلى نقطة أخرى لا يكون فيها خرق للخط الأزرق.
وعلمت «الأخبار» أن سلطات العدو أبلغت القوات الدولية قبل يومين أنها ستقوم بأعمال هندسية مشابهة في منطقة وادي هونين. ومع بدء الأشغال، سجل خرق جندي إسرائيلي للخط الأزرق. حينها أبلغ ضابط الجيش اللبناني القوات الدولية بضرورة وقف الخرق، وهدد بإزالته بالقوة، وعندما لم يستجب العدو، قام جنود الجيش بإزالة العوائق الحدودية ورموها وراء الخط الأزرق.