80% من المواطنين، ممن هم فوق سن الـ 65، لا يملكون ضمانات لما تبقى من حياتهم. بمجرّد أن يبلغ المواطن ـ العامل في قطاعٍ خاص ـ سن التقاعد يخرج من كلّ أشكال الضمان، بلا تقاعد ولا حتى رعاية صحية. هذا هو الوضع في لبنان، البلد الوحيد في المنطقة، وواحد من 16 دولة من أصل 179 دولة في العالم، الذي لم يضع بعد برنامج تقاعد، متأخراً سنوات طويلة عن اللحاق بدولٍ بات فيها المعاش التقاعدي والحماية الاجتماعية لكبار السن بديهياً. وعلى قاعدة «أن تأتي متأخراً خير من أن لا تأتي أبداً»، بدأت النقاشات حول مشروع قانون للتقاعد والحماية الاجتماعية في عام 2004، إلا أنه لم يخرج حتى اللحظة، على الرغم من انتهاء النقاشات حوله في اللجنة الفرعية واللجان المشتركة وصوغ المسودة النهائية.
نقطة البداية
في 5 آب 2004، أقرّ مجلس الوزراء مشروع قانون للتقاعد والحماية الاجتماعية، ليحلّ مكان نظام تعويض نهاية الخدمة، الذي يشكّل الفرع الرابع من فروع الضمان الاجتماعي. أحيل المشروع إلى المجلس النيابي ليصار إلى مناقشته ودرسه ومن ثم إقراره في الهيئة العامة ليصبح قانوناً نافذاً.

(هيثم الموسوي)

إلى الآن، لم يخرج المشروع قانوناً من المجلس النيابي، إذ أُسقط في عام 2008 من جدول الهيئة العامة وأعيد إلى اللجان المختصة للمزيد من الدرس. ومنذ ذلك الوقت، يدور المشروع بين اللجان، وبلغ محطته الأخيرة قبل ثلاث سنوات تقريباً في اللجنة الفرعية المنبثقة عن اللجان النيابية المشتركة التي كُلّفت إعادة درسه، وقد أنجزت هذه الأخيرة ما تبقى من تعديلات وملاحظات وقدّمت تقريراً مفصلاً عما آل إليه هذا المشروع.
عملياً، بات مشروع القانون جاهزاً للعرض على الهيئة العامة للمجلس، وقاب قوسين أو أدنى من الإقرار، ما لم يعوقه أي طارئ. وهذا ما يؤكده رئيس لجنة الصحة النيابية، بلال عبد الله، حين يقول إنه سيطلب من رئيس مجلس النواب، نبيه بري، التريّث في عرضه على الهيئة العامة «لأنه لا يمكن المخاطرة بقانونٍ مشغولٍ بطريقة احترافية ورميه في وضعٍ مأسوي كهذا». فعلى الرغم من أن «البنية التحتية» للمشروع جاهزة، وتم التوافق عليه في اللجنة الفرعية، كما المشتركة، إلا أن «السقوط الآن ممنوع»، وينطلق من جملة مبرّرات تجعل من الصعب «رميه الآن»، منها ما يتعلق بما هو متوفر من أموال لدى الضمان «والتي كانت بحدود 7 إلى 8 مليارات دولا والتي باتت تساوي اليوم 300 مليون دولار»، أضف إلى ذلك أن «لا شيء مفهوماً اليوم، لا على أيّ أساس ستوضع الاشتراكات ولا أحد يعرف بسقوف الرواتب المفترضة ولا ما يمكن أن تكون عليه الأكلاف من استشفائية إلى دوائية وغيرها». إلى ذلك، ثمة ما يمكن إضافته وما يتعلق بالمراسيم التطبيقية لحسن سيره. وهي لازمة باتت تعيق معظم القوانين النافذة.

19 عاماً من الدوران
لكن ما الذي أخّر المشروع كلّ هذا الوقت؟ إذ كان يمكن أن تنتهي النقاشات في غضون ثلاث سنوات، وهي عمر فترة نقاشه في اللجنة الفرعية المكلفة دراسته، غير أنه أخذ 19 عاماً متنقلاً ما بين اللجان بسبب معضلة أساسية تتعلق بإدارته المالية. صحيح أنه شكّلت لجنة استثمار، وإنما كانت النقطة الخلافية الأساسية هي لمن ستتبع تلك اللجنة، وخصوصاً مع وجود جبهة معارضة لضمّها إلى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي كواحدة من مديرياته.
وفر في الضمان الاجتماعي لأنّ كثيرين لا يذهبون لتحصيل مستحقاتهم

وقد انطلقت هذه الجبهة من نقطتين أساسيتين: أولاهما أن الصندوق لا يملك التقنيات اللازمة ولا حتى الكادرات البشرية للقيام بتلك المهمة، وثانيتهما أنه «فاشل» ولا يمكن تحميله مهامّ إضافية، وخصوصاً أن «التجارب السابقة كانت كافية بالنسبة إلى البعض لبناء هذه الجبهة، بعدما فشل الضمان في إدارة أموال الناس، لناحية ديونه في ذمة الدولة، كما توظيفه أموال المضمونين في جهة واحدة»، يقول الدكتور عاصم عراجي، رئيس لجنة الصحة النيابية السابق وأحد أبرز المشاركين في النقاشات حول القانون. أضف إلى ذلك أن هذه اللجنة تابعة إدارياً لمجلس إدارة الضمان «وهنا كانت تكمن المشكلة الأساس المتعلقة بتكوين مجلس الإدارة المكوّن من 24 عضواً، ليس فيهم خبير واحد يعرف كيف تدار شركة أموال»، يقول نحاس. ولأن «إدارة أموال المضمونين لا يفترض أن تكون من باب انتماء وظيفي أو سياسي»، كان القرار بالعمل على إحداث تغييرات جذرية في تكوين مجلس الإدارة «بحيث يتم تقليص عدد أعضائه إلى 14 عضواً على قاعدة 5/5/4، فخمسة يمثلون الهيئات المهنية الأكثر تمثيلاً لأرباب العمل، و5 آخرون يمثلون الهيئات المهنية الأكثر تمثيلاً للأجراء، و4 يمثلون الدولة». وبحسب نحاس «يشترط بهؤلاء أن يكونوا من الخبراء تنتقيهم الدولة ويوافق عليهم مجلس الخدمة المدنية».

وفر في الأموال
يفترض القانون أن تنتقل أموال فرع تعويض نهاية الخدمة، تلقائياً، إلى صندوق الفرع الجديد، غير أنه حتى اللحظة لم يتم «التفكير» ما إذا كان الانتقال كليّاً أو في جزءٍ منه، وكيف ستكون آلية الانتقال، وخصوصاً أنه «اليوم يموّل العجز في صندوق المرض والأمومة». أما بالنسبة إلى قيمة الأموال المتوافرة، فلا يملك نحاس ولا أيّ من أعضاء اللجنة الفرعية «رقماً دقيقاً»، مشيراً إلى أنه «مع انتهاء عمل اللجنة في دراسة المشروع، أجرى فريق من منظمة العمل الدولية تدقيقاً مالياً، وقد أظهر بحسب معلوماتي أن لا عجز فيه، بل على العكس هناك وفر من الأموال». ويردّ نحاس هذا الوفر إلى أسباب كثيرة؛ منها «أن الكثير من أصحاب هذه الأموال لم يأخذوها، إما لتدنّي قيمتها، أو لانتقالهم إلى ظروف عملٍ أفضل، سواء في لبنان أو الخارج».