جذرية كانت التعديلات التي طاولت الفرع الرابع من فروع الضمان الاجتماعي. أبرزها الإلغاء الرسمي لما يُسمى بنظام تعويض نهاية الخدمة، واستبداله بنظامٍ آخر قائم على تأمين راتب لمن هم في سنّ التقاعد في ثلاث حالات: بلوغ السن أو العجز أو الوفاة (تأمين معاش للخلفاء). وتطاول التعديلات جملة موادّ أساسية (من المواد 49، 50، 51، 52، 53، 54، 64)، تتناول في متنها إنشاء نظام للتقاعد والحماية الاجتماعية وتفاصيل تأمين معاشات التقاعد والعجز وخلفاء المضمونين وكيفية احتسابها، وتقديمات ضمان المرض والأمومة، إضافة إلى ما يتعلق بالمشمولين بالفرع الجديد واستقلاله المالي وإنشاء لجنة الاستثمار وتوزيعات اشتراكات المضمونين.
ثلاث نقاطٍ أساسية تجعل من مشروع القانون «إنجازاً»، كما يوصّفه رئيس اللجنة الفرعية نقولا نحاس، وهي استبدال التعويض بالمعاش، وتوسيع مروحة المشمولين به، وإنشاء لجنة للاستثمار.

حماية كبار السن
في الشق المتعلّق بالمعاشات، تكمن الاختلافات في أن نظام التعويض السابق أقرب إلى كونه «قجّة» يضع فيها صاحب العمل اشتراكات عن المضمون لديه ويفتحها الأخير عندما يصل إلى سن التقاعد. وكان هذا الأمر يُواجه بإشكاليتين أساسيتين: «أولاهما أن تعويض نهاية الخدمة مرتبط بما يدفعه صاحب العمل، وبما أن الأجير يبدّل خلال حياته العملية أكثر من صاحب عمل، فيدفع صاحب العمل الفرق ما بين أول معاش وآخر معاش، فهذا يشكّل عائقاً أمام تصحيح التعويض بالنسبة إلى أول معاش كونه لم يعد موجوداً». وعطفاً على السبب الأول، تكمن الإشكالية التالية «وخلاصتها أن التعويض في الضمان قائم على معادلة واحدة: ما يدفعه صاحب العمل تأخذه أنت».

(هيثم الموسوي)

أما بالنسبة إلى نظام التقاعد والحماية الاجتماعية «فهو يعمل على تأمين الحماية لكبار السن، عبر مشاركة فاعلة للمجتمع لتأمين الحدّ الأدنى من معاش تقاعدي لم يعد مرتبطاً فقط بما يدفعه عنك صاحب العمل». ومن هذا المنطلق، كانت فكرة النظام الجديد القائم على ضمانتين أساسيتين، الرسملة والتوزيع. الرسملة «للحساب الفردي للمضمون المكوّن من عنصرين أساسيين، الاشتراكات وعائدات الاستثمار، والتي تُحوّل ضمناً إلى معاش تقاعدي استناداً إلى معادلة حسابية قائمة على معدّل الحياة بعد التقاعد ومعدل الفائدة ووجود خلفاء للمضمون». أما التوزيع، فيرجع إلى الشق المتعلق بالاشتراكات التي يدفعها أصحاب العمل، والتي تُقدّر بحسب النظام الجديد بـ12,25%، والأجراء 5%، كما مساهمة الدولة، على أن تُحدّد الاشتراكات «كنسبة مئوية من مجموع كسب الأجير وضمن سقف يُحدّد بمرسوم»، بحسب ما ينصّ مشروع القانون ضمن بند الاشتراكات وطريقة توزيعها. ويشار إلى أن هذه الاشتراكات من شأنها تأمين التغطية بنسبٍ مئوية محددة «لدعم الحدّ الأدنى للمعاش التقاعدي ومعاش العجز والوفاة ودعم اشتراكات ضمان المرض والأمومة والمصاريف الإدارية».
أما بالنسبة إلى أبرز التعديلات المتعلقة في شق المعاشات فهي «إعادة فهرسة المعاش التقاعدي كلّ فترة ــ تم التوافق على أن تكون سنةـــ بهدف إعادة تقييمها استناداً إلى أسعار الاستهلاك ومؤشر غلاء المعيشة»، يقول جوزف خليفة، الخبير في الضمان وممثل منظمة العمل الدولية، التي كانت شريكاً أساسياً في نقاشات المشروع.

اتساع فئة المشمولين
أما في ما يتعلّق بالمشمولين، فقد فتح النظام الجديد الباب واسعاً أمام فئاتٍ لم تكن مشمولة بنظام الضمان الاجتماعي، والذي حصر الدخول إليه بمن هم في الخدمة الفعلية، وجعل الانتساب إليه إجبارياً واختيارياً بدرجات محددة وعلى مراحل عدّة «بحيث نصل في المراحل الأخيرة ليكون هو النظام الوحيد المعمول به في لبنان والذي يشمل جميع المواطنين». وبحسب التقسيمات الجديدة «يشمل هذا النظام كمرحلة أولى خمس فئات كانتماء إجباري، وتضمّ أجراء عقد العمل، والأجراء الدائمين الزراعيين، وأفراد مؤسسات التعليم العالي والعاملين خارج لبنان، إضافة إلى أجراء القطاع العام».

لجنة استثمار
الشق الثالث يتعلق بالإضافة الجديدة، وهي إنشاء لجنة استثمار تتولى مهامَّ عدة، منها «مهام استثمارية أساسها تنويع محافظ الاستثمار للأموال وتقدير القيمة الحقيقية لأموال الصندوق وكلفة ورسوم بعض الاستثمارات...». لعلّ أهم ما يميز هذه اللجنة، بحسب المعنيين بالمشروع، ومنهم نحاس أنها «تضرب عصفورين بحجرٍ واحد»، فقد اشترط من جهة أن تكون مكوّنة من خبراء، ومن جهة أخرى إدماجها في الضمان كإحدى المديريات مع ضمان استقلاليتها، على أن تضمّ «خمسة خبراء مؤهلين، مضافاً إليهم المدير العام للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي».