نحو ثلاثة أشهر مرّت على إنجاز ملف ترسيم الحدود البحرية الجنوبية، لم تنعكس تسريعاً للإجراءات اللوجستية لمباشرة لبنان استكشافاته البترولية، وسط حديث عن احتمال أن يكون لبنان قد أكل «ضرباً» نتيجة تسرّعه، وعدم ربط الموافقة على الترسيم برفع واضح للحصار الكهربائي، والوثوق بالوعود الأميركية، من دون ضمانات بتسريع استجرار الغاز المصري والكهرباء الأردنية.
ثاني الخيبات التي منيَ بها لبنان، كانت استمرار فرض «حصار الطاقة» عليه بوسائط متعددة. فمنعت الضغوط الأميركية لبنان من قبول هبة الفيول الإيراني، ومن الموافقة على هبة فيول روسي، رغم أن المشتقات النفطية لا تدخل ضمن العقوبات المفروضة على موسكو.
ثالث الخيبات يتصل في ما ترى فيه مصادر متابعة استمرار «الفيتو» على شركات التنقيب عن النفط والغاز إلى المياه اللبنانية. فخلال الصيف الماضي، جرى تمديد دورة التراخيص الثانية (الممدّدة اصلاً) للمرة الثالثة على التوالي حتى حزيران 2023، لاستقبال دفاتر شروط الشركات المهتمة بمناقصة تلزيم البلوكات اللبنانية غير الملزمة سابقاً، وتحديداً البلوكات الموجودة قبالة بيروت والبلوكين 8 و10 الجنوبيين اللذين أصبحا خارج دائرة النزاع مع العدو الإسرائيلي. وإذا كانت الشركات سابقاً تمتنع عن التقدم إلى مباراة التلزيم بسبب النزاع الذي كان قائما جنوباً، لم يغيّر إنجاز الترسيم شيئاً، إذ واصلت الشركات المهتمة الاحتجاب عن الانضمام إلى دورة التراخيص «اللبنانية». فيما تتوافد طلبات الانضمام إلى دورة التراخيص الرابعة التي أطلقها العدو الإسرائيلي منذ حوالي 3 أسابيع في البلوكات الموجودة ضمن منطقة الـ 1430 كلم التي انتهى النزاع حولها مع لبنان.
مصادر في هيئة إدارة قطاع البترول تعيد هذا الامتناع الى «ترتيبات وأسباب لوجستية» تتعلق بالشركات التي لم تكوّن بعد فكرة واضحة حول مستقبل اتفاقية الترسيم البحري، وتنتظر تأمين مزيد من الاستقرار في المنطقة، فضلاً عن النتائج السلبية في البلوك الرقم 4، ما يدفع الشركات إلى انتظار نتائج البلوكات الأخرى.
مصدر آخر في الهيئة نفسها، يُبرّر لـ«الأخبار» «الانقطاع‌» بمسألتين. من جهة، تنتظر الشركات إنهاء شركة «توتال»، الملتزمة البلوك 9، استكشافاتها في «حقل قانا» المحتمل وتقدير الكميات، كي تبني تصورها حول طبيعة ما تحتويه المنطقة، ما يُساعد في جذب الشركات. هذا يعني استمرار وزارة الطاقة في تمديد دورة التراخيص إلى ما شاء الله. ومن جهة أخرى، تنتظر الشركات «هدوء سوق الاستكشاف» بعدما أدت أزمة الطاقة العالمية إلى فقدان بواخر الحفر والتنقيب نظراً إلى وجود التزامات لدى شركاتها في أماكن أخرى.
المشكلة نفسها تُعانيها شركة «توتال» أصلاً. في تقدير مصادر الهيئة وأخرى في وزارة الطاقة أنّ تأخر الشركة عن الوفاء بالتزاماتها لناحية استقدام «حفارة» لا يعود إلى تهرّبها، وإنما لعدم استطاعتها حجز «باخرة حفر»، فيما أقرب موعد متوقّع للحجز ليس أقرب من نهاية العام الحالي! غير أن المصدر يوضح في السياق أن الشركة الفرنسية لن تنتظر لغاية تلك المدة حتى تبدأ نشاطها، مؤكداً أن الهيئة «أبلغت باستقدام توتال باخرة مسح بيئي للعمل ضمن البلوك 9». وعلمت «الأخبار» أن الباخرة سبق لها أن أجرت مسحاً بيئياً للبلوك الرقم 4 قبل سنوات، فيما الموعد المتوقع لوصولها إلى بيروت هو الأسبوع الثاني من شهر شباط المقبل». مع ذلك، ليس هناك من ضمانات قط لإجبار «توتال» على الالتزام بتعهداتها، لعدم تعديل بنود الاتفاق اللبناني معها من ناحية، ومن ناحية أخرى لتمتّعها بقرار صادر عن الحكومة اللبنانية بتمديد أعمالها لغاية العام 2025.
لا شركات بعد تمديد دورة التراخيص الثانية


رغم ذلك، ثمة تقديرات واعدة للثروات اللبنانية في البحر، كان آخر من تطرّق إليها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في خطابه أول من أمس. يبني نصر الله مواقفه على أرقام و«تقديرات مبدئية» للثروة يملكها الحزب وآخرون. عملياً، أجمعت بيانات المسح الثنائي وثلاثي الأبعاد المنفّذ على مراحل زمنية متباعدة للمنطقة الاقتصادية الخالصة التي تبلغ مساحتها 22 ألفاً و730 كيلومتراً مربعاً، وجود 25 تريليون قدم مكعبة من الغاز في الركن الجنوبي الغربي وحده، فيما قدرت شركة «Spectrum» المسؤولة عن إجراء عمليات المسح للرقع اللبنانية، احتياطيات الغاز الأوفشور بين 12 و25 تريليون قدم مكعب، أو نحو 20 تريليون قدم مكعب، بقدرة إنتاج سنوي وسطي بحدود 8.2 مليارات دولار، والمعدل ذاته بالنسبة إلى النفط بحدود 4.5 مليارات دولار في حال البدء بالاستخراج من دون حساب الأسعار الحالية، إنما المعدلات الوسطية للسعر العالمي، بينما ذهبت تقديرات «إدارة معلومات الطاقة الأميركية»، حيال قيمة احتياطيات الغاز في لبنان إلى حدود 164 مليار دولار للفترة الممتدة بين عامَي 2020 و2039، فيما النفط الذي يتوقع وجوده ضمن البلوكات بنسب متفاوتة، تبلغ حدود تقديراته ما نسبته 90 مليار دولار للفترة ذاتها، بإجمالي احتياطيات تتراوح بين 440 و675 مليون برميل.