ينعقد مجلس الوزراء اليوم على «صوص ونقطة» في جلسةٍ ذات «بنود استثنائية»، ممنوع الخروج عنها، تحت طائلة انفراط عقدها. وربما لولا الطوارئ الكهربائية، والتهديد بالعتمة الشاملة، والغرامات المتراكمة جرّاء وقوف البواخر في عرض البحر بانتظار التوقيع لإفراغ حمولتها، لم تكن «جلسة الطوارئ الحكومية» لتنعقد. لكن اللافت في ظلّ كل هذه المقدّمات الاستثنائية لتبرير عقد الجلسة، ما ورد في جدول أعمالها تحت عنوان «الإحالة على التقاعد لبلوغهم السنّ القانونية، واعتبار موظفين مستقيلين»، وجود 7 موظفين في خانة «اعتباره مستقيلاً»، 5 منهم أساتذة تعليم ثانوي.
صرت مشهوراً
لبنان العبد حيدر، أستاذ الفيزياء للمرحلة الثانوية، أحد الذين سيُعتبرون مستقيلين وفقاً لجدول أعمال مجلس الوزراء. وعلى إثر اطلاع حيدر على نقاط الجلسة أمس، كتب منشوراً على «فايسبوك» يبدي فيه فرحةً وحزناً في آن معاً. الشعور الأول يعيده لـ«اعتبار تركي للوظيفة العامة أمراً استثنائياً، ويحتاج إلى جلسة لمجلس الوزراء تصارع على انعقادها الفرقاء السياسيون لأسابيع»، أما الثاني، فـ«لأنّي أشعر بأسف على وظيفة أقدّسها وأحبّها كمحبتي لأهل بيتي».
وفي اتصال عابر للقارات مع «الأخبار»، ومن رقم دولي، يبدأ لبنان حيدر صباح أمس كلامه بـ«مساء الخير»، للتأكيد على فرق الوقت بين لبنان وأوستراليا. يبدأ حيدر بسرد قصته من نهايتها ويقول «لم أتقدّم باستقالتي، بل تركت الوظيفة عام 2021 على إثر رفض الحكومة وقتها قبول استقالات أو تقاعد الموظفين». يسرد رحلته الأخيرة في التعليم، فبعد رحيل عائلته المكوّنة من زوجته و5 أولاد بشكل نهائي، قبل سنوات، إلى أوستراليا لأسباب تتعلّق بصحة ابنه الصغير، اختار البقاء في لبنان وحده: «لم أستطع ترك حبّي وشغفي المتمثلين بمهنة التعليم». صمد حيدر إلى ما قبل إرهاصات الانهيار الكبير في لبنان عام 2019، حيث طلب الحصول على استيداع لمدة ثلاث سنوات، لحق على أثره بعائلته إلى أوستراليا. بعدما انتهت المدّة القانونية للاستيداع، وجد حيدر أنّ الظروف في لبنان غير ملائمة نهائياً للعودة والاستقرار، وبسبب عدم قبول الاستقالات من الموظفين، انقطع بشكل تام فـ«اعتُبر مستقيلاً».

حزين غير نادم
لا يأسف حيدر على معاش تقاعدي، أو تعويض نهاية خدمة، «يحتاج إلى الكثير من المطاحشة، ولا يساوي ثمن تذكرة طائرة العودة إلى لبنان لقبضه». في المقابل، يحزن كثيراً على 21 سنة قضاها في خدمة التعليم الرّسمي، إذ تقدّم حيدر لامتحانات مجلس الخدمة المدنية عام 2004، وبعد نجاحه دخل ملاك التعليم الثانوي، وثبّت في ثانوية مارون عبود. ولكن شغفه بالتدريس بدأ قبل ذلك التاريخ بـ 19 سنة، وتحديداً عام 1985 عندما تعاقد في ثانوية بنت جبيل الرّسمية لتدريس الفيزياء.
تعويض نهاية الخدمة لا يساوي ثمن تذكرة طائرة العودة


بحسب حيدر «وظيفة أستاذ تعليم ثانوي كانت حلماً في ما مضى، وتحوّلت اليوم إلى نقمة على العاملين فيها. وصلنا إلى مرحلة لا يمكن أن يتصورها أحد من أساتذة التعليم الثانوي السّابقين، هم كانوا القياديين والمصلحين والواقفين في الصفوف الأولى أثناء الاحتجاجات، أما اليوم فيتلقّون الإهانات، وإضراباتهم خجولة، ورواتبهم مواضيع للشحادة».

تلاميذ لبنان أفضل
لبنان حيدر لم يترك التعليم، حتى في أوستراليا يمارس هذه المهنة. ليس في المدارس هذه المرّة، وإنّما في شركةٍ خاصةٍ مهمتها إيجاد صلة وصل بين التلامذة والأساتذة، فيعلّم مادتَي الفيزياء والرياضيات، بالإضافة إلى تعليم بعض أبناء الجالية اللبنانية الذين يتردّدون إليه. بين الوطن وأوستراليا، وعلى عكس ما يُقال في لبنان عن «عظمة المناهج الأجنبية وعمقها»، يتكلّم حيدر عن «روعة التعليم في لبنان». برأيه «المناهج الخاصة في المرحلة الثانوية أفضل بأشواط من الناحية العملية، والتلامذة اللبنانيون أصحاب مستويات أعلى، وأذكى». يستدلّ على ما سبق بقوله «باستطاعة التلميذ اللبناني في المرحلة الثانوية استنباط المعادلة وتطبيقها، أمّا في أوستراليا فعلينا وضع القواعد في أسفل ورقة الامتحان، وكلّ ما على التلميذ فعله هو تطبيقها».

هل ستعود؟
لا يفكر لبنان بالعودة إلى لبنان، فلا شيء يشجعه اليوم. يروي كيف أسّس سابقاً لبقاء أولاده في الوطن، إذ ورثوا عنه حبّ العلوم وحملوا إجازات من كليّة العلوم في الجامعة اللبنانية بالفيزياء، والرياضيات والعلوم الطبيعية، حتى إنّه نقل إليهم الشغف بالتعليم بشكل غير مقصود، كيف لا وهو اختار التعليم لتأثّره بأستاذ مادة الفيزياء الذي علّمه في ثانوية بنت جبيل الرسمية أحمد جابر بزي. لكن اتخاذ قرار العودة لا يكفيه حنين ولا شغف!