لأسابيع خلت، لم يعلُ صوت على صوت مناشير الحطب بين المنازل والأحياء في قرى بعلبك الهرمل وبلداتها، وفي السفوح الشرقية لسلسلة جبال لبنان الغربية، إذ لم يعد هناك سبيل للتدفئة عند آلاف العائلات البقاعية إلا بالحطب، وحتى إن كان أخضرَ صعب الاشتعال. وبعيداً عن عمليات «الحلاقة ع الناشف» للثروة الحرجية وتداعيات ذلك على بيئة المنطقة، ثمّة أمر ثابت أنّ غالبية العائلات اعتمدت الحطب كخيار لا بديل عنه مع ارتفاع سعر مازوت التدفئة، فحجزت دوراً لها عند تجار الحطب وعند الأقارب الذين يملكون مشاعات حرجية، وسارعت إلى تحويل وجاقاتها من المازوت إلى الحطب.في الحقيقة، لا يمكن الحديث عن فارق كبير في السعر بين طن حطب السنديان وبرميل المازوت. فبعد رفع الدعم عن المازوت وارتفاع سعر البرميل (سعة 200 ليتر) إلى 210 دولارات، ويباع في غالبية محطات المنطقة بسعر 230 دولاراً كسوق سوداء (في ظل غياب الرقابة والمحاسبة)، سجّل سعر طن الحطب في المقابل ارتفاعاً لافتاً من 70 دولاراً إلى 200 دولار للطن الواحد المقطع، وهو سعر قابل للارتفاع كلّما زادت المسافة بين المصدر والمستهلك. على الرغم من ذلك، تفضل العائلات البقاعية الحطب لأنّ «الفترة الزمنية التي يوفرها من ناحية الدفء، يعجز المازوت عنها. فبرميل المازوت يكفي لمدة شهر تقريباً (بمعدل صفيحة واحدة 20 ليتراً كل يومين)، في حين يمكن لـ4 أطنان من الحطب توفير الدفء طيلة خمسة أشهر» بحسب ما يوضح أحمد حمزة لـ«الأخبار».

وجاقات الحطب
ساهم ارتفاع سعر الحطب، مع ازدياد الطلب عليه منذ الصيف الفائت، في ارتفاع أسعار وجاقات الحطب، ما دفع بالعديد من العائلات إلى تحويل وجاقات المازوت إلى حطب، كما يؤكد محمد حمية صاحب محل حدادة إفرنجية. ويلفت إلى أنّ كلفة هذا التغيير «تُراوح بين 10 و30 دولاراً، فيما يكلّف شراء صوبيا جديدة ما لا يقل عن 150 دولاراً».
الأمر لم يقتصر على صوبيا التدفئة، بل امتدّ ليشمل قازان تسخين المياه حيث لجأ عدد كبير من الأهالي إلى اعتماد قازان بصوبيا حطب، بدلاً من المازوت، رغم عدم تقبّل بعض النسوة اعتماد الحطب كمادة للتدفئة «إلا أن الواقع فرض علينا هذا الخيار والوضع الاقتصادي التعيس ودبّرنا الحطبات من شهر أيلول» تقول زينب الضيقة.

قطع جائر
مع بداية عمليات قطع الحطب في المناطق الجردية المتدنية في سفوح السلسلة الغربية، والقريبة من المنازل، وبيعه بسعر لم يتعدَّ الأربعة ملايين ليرة للطن الواحد، كرّت سبحة التجاوزات في أعمال القطع العشوائي في أحراج المنطقة بأكملها وسط إهمال لافت من قبل الدولة والأجهزة الأمنية و«قلة حيلة» في حراك مراكز الأحراج، لجهة عدم توفر الآليات، والتي إن توفرت فلا محروقات لها.
وما يلفت الانتباه أكثر من غيره، أنّ القطع الجائر تسارعت وتيرته مع عدم اقتصاره على أصحاب الشُّعَب والمشاعات (أراض جمهورية وأميرية)، بل وصل إلى حدّ التعديات والسرقات. القطع انتقل إلى المناطق العالية من الجرود، وهي أماكن وعرة جداً، لا يمكن للسيارات والجرارات الزراعية الوصول إليها، فتمّت الاستعانة بالحمير والبغال لنقل الجذوع المقطوعة من التلال العالية إلى الوديان أو الطرقات.
يؤكد أحد تجار الحطب أن أعمال القطع التي يقوم بها «ليست إلا تشحيلاً منظّماً ومدروساً» للحرج الذي يملكه وعائلته، وأن تجارة الحطب في مثل هذه الأماكن العالية ما هي إلا «أشغال شاقة بكلّ ما للكلمة من معنى، مع كلفة كبيرة أدّت الى رفع السعر حتى 8 ملايين ليرة». يشرح الرجل أن معظم تجار الحطب «يعتمدون في الجرود العالية على العنصر البشري في أعمال القطع بمناشير البنزين وتشحيل الجذوع المقطوعة من الأغصان الصغيرة (شحالة) ودحرجتها ونقلها من تلة إلى أخرى وصولاً إلى أماكن يمكن للبغال والحمير أن تصل إليها، لتُنقل مجدداً إلى حيث يمكن للسيارات الرباعية الدفع والجرارات الزراعية الوصول».
أحمد. م. أحد الأشخاص الذين يعملون في نقل جذوع الحطب من التلال العالية مقابل أجر يومي قيمته 500 ألف ليرة. يعترف الرجل الستيني، المتقاعد من قوى الأمن الداخلي، أن العمل متعب جداً «ولكنني مضطر لكي أحقق الدفء لعائلتي. عرض عليّ ابن عمي العمل معه في نقل جذوع الشجر من التلال مقابل 500 ألف يومياً وحصلت على ثلاثة أطنان نتيجة عملي معه مدة 45 يوماً».