العيون شاخصة إلى الشاشة الكبيرة المثبّتة في منتصف القاعة في فندق «لو رويال» في المؤتمر الذي نظّمه التيار الوطني الحر عن آثار النزوح السوري على لبنان بعنوان «لن نتخلّى عن أحد». الأرقام التي يُقدّمها ممثل المديريّة العامّة للأمن العام المقدّم إيلي عون بدت صادمة. ليس تفصيلاً ارتفاع نسب بعض الجرائم التي غالبية المتهمين فيها من السوريين (75% من الموقوفين في جرائم السلب)، وأن 46% من السجناء في المبنى «ب» في سجن رومية المُخصّص للموقوفين المتهمين بدعاوى الإرهاب سوريون أيضاً.مع ذلك، فإن هذه المُعطيات غير جديدة للمتابعين، إلا أنّها لم تدفع الحكومة اللبنانية منذ بدء تدفّق النازحين عام 2011 ومن ثم الانهيار الاقتصادي، إلى وضع خطّة حقيقية لمعالجة الأزمة.
هذا ما تقصّد رئيس التيار النائب جبران باسيل التركيز عليه في كلمته الافتتاحية. وهو كان مباشراً في توصيف النزوح السوري على أنّه «تهديد وجودي غير مؤقت، ومشهدية تدميرية دموية نكبت سوريا ولبنان. العنصرية ليست في رفض استضافة نزوح جماعي عشوائي ومبرمج، بل في تفريغ الأرض من عناصرها البشرية ودفعهم للاستيطان في دولة أخرى أرضها لا تتسع لسكانها، ومواردها لا تكفي حاجاتهم»، معتبراً أنّ «تغيير النسيج الديموغرافي وضرب الهويات الوطنية هو العنصرية، واستغلال ضحايا لعبة الأمم على طاولة رسم الخرائط والمصالح هو المؤامرة».
واقترح باسيل خطّة من 3 مراحل يُمكن أن تعتمدها الدولة اللبنانية لحل الأزمة. ولعلمه بأنّ المُشكلة تكمن في «الفيتو» الغربي على عودة النازحين، طرح الخيار الآخر: «لبنان ليس له على السوريين، ولكن له الكثير على المجتمع الدولي الذي عليه أن يعمد إلى شطب ديونه الخارجية أو تسديدها عنه في مقابل كل الأعباء التي تحمّلها، والتي تعدّت الـ 50 مليار دولار»، مضيفاً: «لبنان دولة مانحة وليست مضيفة فقط، لأن أعباءها تخطت بكثير المساعدات المقدمة لها. نعم لبنان لا يشحذ، بل يطالب بحقه. ليس من دولة في العالم يمكنها أن تتحمّل 200 نازح بالكيلومتر المربّع من دون أن تنهار. لبنان فعل وحمل وتحمّل ولا يزال يحب ويعطي. ولكن الى متى؟».
ودعا الحكومة اللبنانيّة إلى تطبيق خطّتها للعودة، وأن تعمل فوراً على إعادة السجناء الخطيرين واستعادة حقها بتحديد من تنطبق عليه صفة نازح (وليس نازحاً اقتصادياً)، وأن تطبّق القوانين اللبنانية والدولية من خلال مشاركتها الداتا الكاملة من قبل الـ«UNHCR» واستعمالها، أولاً بوضعها على المعابر الحدودية لمنع دخول أي سوري يحمل صفة نازح كونه عاد إلى سوريا أو تخلّيه عن هذه الصفة، وهو ما من شأنه أن يعالج أكثر من ثلث أزمة النزوح، وقيام الأمن العام بتسجيل السوريين المقيمين كافةً وإلا اعتبروا مقيمين غير شرعيين وليسوا نازحين. ويمكن في هذه الحالة إعادتهم، ما يحل الثلث الثاني من الأزمة. ويبقى حل الثلث الأخير من خلال تمويل العودة الكريمة بالتنسيق بين الدولتين اللبنانية والسورية والأمم المتحدة».
ودعا المجتمع الدولي إلى «التوقّف عن الضغط على لبنان وعن تمويل إقامة النازحين على أرضه وعن تخويفهم من العودة»، واصفاً التقارب السوري - التركي بأنه «مؤشّر إيجابي ومساعد كون عودة النازحين أحد أهم عناصره».
وقال: «لن نتخلى عن أحد، شعار لا يكفي أن ترفعه الأمم المتحدة بل أن تطبقه مع النازحين بدعم عودتهم ومع المضيفين بتحمل الأعباء عنهم. وهي تعني التواصل مع الجميع لحل الأزمة، وعلى رأسهم الدولة السورية المعنية الأولى بعودة شعبها، فلا يدفن لبنان رأسه في الرمال الدولية، خوفاً أو تواطؤاً، متجاهلاً أن سوريا تمتد على كامل حدودنا شمالاً وشرقاً وهي مدخلنا البري إلى العمق المشرقي والعربي». 
أزمة النزوح تهديد وجودي ليس موقّتاً وتغيير النسيج الديموغرافي هو العنصرية


بدوره، دعا وزير الخارجية والمغتربين عبد الله بوحبيب المجتمع الدولي إلى مساعدة النازحين في بلادهم، إذ إنّ لبنان لا يمكنه تحمّل هذه الأعباء.
ورأى وزير الخارجية والتجارة الهنغاري بيتر سيارتو أنّ على «المجتمع الدولي أن يركّز على إيجاد الظروف الملائمة لعودة النازحين الى بلدهم، وخصوصاً أنّ البلدان المضيفة، تركيا ولبنان والأردن والعراق ومصر، تتحمل أكثر من طاقاتها»، مؤكداً أنّه «يُمكن للبنان أن يعتمد على هنغاريا ويعوّل عليها».
من جهته، دعا ممثل وزير الخارجية التركية مولود جاويش أوغلو المدير العام للهجرة فهري توركار أوبا المجتمع الدولي الى «أن تكون هناك مشاطرة عادلة لهذا الحمل، وعلى البلدان المتطورة أن تفتح أبوابها أمام هؤلاء النازحين ووضع السياسات لكي نواجه النزوح غير الشرعي، وللأسف لدينا أيضاً انتهاكات لحقوق الإنسان وخصوصاً في أوروبا من خلال رفض الإيواء وكل الأمور المضادة والمعادية للمهاجرين. كما أن الحرب الأوكرانية أثبتت أن أزمة النازحين قد تنشط في أي وقت في العالم».