بعدما تراكمت على الخزينة غرامات بقيمة 800 ألف دولار، ظهرت حقيقة الفخّ الذي نصبه رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، بالتعاون مع رئيس مجلس النواب نبيه برّي، للتيار الوطني الحرّ. فقد بات على التيار الموافقة على حضور جلسة مجلس الوزراء، أو المخاطرة بإقرار سلفة الخزينة للكهرباء من دون حضوره في الجلسة، مع ما يعنيه ذلك لجهة إحراج وزير الطاقة في توقيع مرسوم السلفة لتصبح نافذة. فخّ مكلف جداً، وكلفته غير المباشرة تكمن في حجب ساعات من التغذية بالتيار الكهربائي تعدّ رخيصة الثمن مقارنة مع كلفة التغذية عبر مولدات الأحياء. المشكلة أن الطرفين يغرقان في هذا الصراع عمداً، وهو أمر انعكس بوضوح في جلسة لجنة الأشغال العامة والنقل والطاقة النيابية حيث تُرجم الانقسام بينهما حول معالجة مشكلة بواخر الفيول في ضرورات ومحظورات انعقاد مجلس الوزراء.قبل أن تصل بواخر الفيول إلى لبنان، عقدت سلسلة اجتماعات. بخلاصتها، اتفق رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي مع رئيس مجلس النواب نبيه بري ومع وزير الطاقة وليد فياض ومع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، ومع وزير المال يوسف الخليل، على تطبيق القرار القاضي بزيادة التعرفة إلى 27 سنتاً لكل كيلواط مقابل زيادة عدد ساعات التغذية، وأن تجرى مناقصات لاستقدام الفيول والمازوت اللازمين للمعامل. واتفق أيضاً على توقيع عقود الفيول والمازوت وتغطية الاعتمادات اللازمة لتمويل ثمن الشحنات، بموافقة استثنائية لمنح مؤسسة كهرباء سلفة خزينة بقيمة المبالغ المطلوبة. وبالفعل، صدرت هذه الموافقة الاستثنائية موقّعة من ميقاتي في 23/12/2022. إلا أن الخليل رفض الأمر، باعتبار أن سلفة الخزينة تحتاج إلى مرسوم يصدر عن مجلس الوزراء. والخليل قال في مجالسه «فليراجعوا الرئيس برّي».
هكذا اتضح الفخّ. فميقاتي نفسه تراجع عن الوثيقة التي وقّعها من أجل استدراج التيار الوطني الحرّ للموافقة على انعقاد مجلس الوزراء، وهو الأمر الذي يرفضه التيار. لكن التيار بات محاصراً في هذا الفخ، إذ إن عقود الفيول سبق أن وقّعت بالاستناد إلى «وعود» ميقاتي التي ترجمت بوثيقة يسهل لحس التوقيع المطرّز عليها. فالبواخر سبق أن وصلت وبات يترتّب عليها غرامات عدم التفريغ التي بلغت 800 ألف دولار، وهي تزيد يومياً بقيمة 18 ألف دولار على كل باخرة.
تأكّد الفخ بتصريح من ميقاتي أمس، يشير فيه إلى أنه «لا إمكانية لإعطاء سلفة كهرباء إلا بمرسوم من مجلس الوزراء»، وبالتالي صادق ميقاتي على ما يقال عنه همساً في كل حين، متراجعاً عن توقيعه الذي يعطي الموافقة الاستثنائية لإصدار سلفة الخزينة، ومشيراً «على أن تعرض على سبيل التسوية في أول جلسة حكومية».
خلاصة نكايات ميقاتي وبري لا تقتصر على الغرامات، بل هناك أربع بواخر محمّلة بالفيول والمازوت تنتظر التفريغ وبدء إنتاج الكهرباء. وبدلاً من زيادة في ساعات التغذية، تُرجمت هذه النكايات بحرمان الأسر من نحو 5 ساعات كهرباء؛ منها ساعة ونصف ساعة كانوا سيحصلون عليها بواسطة العقد الموقّع مع العراق والذي بات بحاجة إلى تجديد. وانعكس الأمر في جلسة لجنة الأشغال والطاقة، حيث بدا النواب الحاضرون في حالة تشتّت، ولا سيما كتلة الوفاء للمقاومة. فقد اقترح النائب حسين جشي إيجاد حلّ «من خارج عقد جلسة وزارية بما أن ثمة مكوّناً رئيسياً مؤلفاً من كتلتَي التيار والقوات اللبنانية يقف ضدها». أما النائب حسين الحاج حسن، فقد حصر مداخلته بالحديث عن موضوع زيادة التعرفة، مؤكداً ضرورة مرور هذا الإجراء بمجلس الوزراء، واعترض على ما قيل حول قطع الكهرباء عن المناطق التي تظهر عدم التزام المقيمين بتسديد الفواتير. أما نواب القوات اللبنانية، فأدّوا مهمتين: الأولى هي الهجوم السياسي على الوزير وليد فياض وتحميله مسؤولية غرامات البواخر، والثانية الوقوف مع التيار في معارضة عقد جلسة وزارية وحلّ المشكلة بواسطة مرسوم صادر عن الوزراء المعنيين. واللافت أن ممثل ميقاتي في الجلسة، الوزير السابق نقولا نحاس، ركّز على أن الموافقة الاستثنائية مشروطة بطلب مؤسسة كهرباء لبنان السلفة وتعهدها بإعادة الأموال. مثله، تقدّم النائب علي حسن خليل بفتوى تقول إنه لا يعارض الموافقة الاستثنائية، ولكنها لا تغني عن المرسوم والقرار الذي يفترض أن يوقّع عليه مجلس الوزراء بالنيابة عن رئيس الجمهورية.
أصدر رئيس الحكومة موافقة استثنائية لسلفة الخزينة ثم تخلّى عن توقيعه


اكتمل نصاب الذين يلومون وزير الطاقة من دون تحميل رئيس الحكومة أي مسؤولية، بمداخلة من رئيس هيئة الشراء العام جان العلية. إذ تلا الأخير تقريراً حول شوائب مناقصة بواخر الفيول ودفتر الشروط، فردّ وزير الطاقة بتذكيره بتأجيل المناقصة أسبوعاً كاملاً نتيجة التعديلات التي طلبها العلّية نفسه. عندها توجّه رئيس اللجنة سجيع عطية للعلّية بالسؤال عما حال دون تقديم هذه الملاحظات خلال مدة الـ 10 أيام المتاحة ما بين التلزيم المؤقت والنهائي، فأجاب بأن الأمر ليس من صلاحياته.
المشكلة هنا لا تعود متعلقة بانعقاد جلسة مجلس الوزراء، بل بالمدى الذي بلغه هذا الصراع السياسي، في حين أنه كان يمكن معالجة كل هذا الأمر من خلال فتح اعتماد. وفتح الاعتماد ليس بالضرورة أن يكون مغطّى مالياً بكامله، لكن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة كان أول من حفر الفخّ وطلب أن يكون المبلغ كلّه موجوداً مسبقاً ولو أن التسديد بعد ستة أشهر.