يعصف الفراغ الرئاسي و«حروب الصلاحيات» بكل مؤسسات الدولة وليس بمجلس الوزراء فحسب. آخر مظاهر هذه الحروب الخلاف الذي وقع في اليومين الماضيين بين وزير الدّفاع موريس سليم وقائد الجيش العماد جوزيف عون على خلفيّة تسيير أعمال المفتشية العامّة في الجيش، بعد إحالة المفتش العام اللواء الركن ميلاد إسحق إلى التقاعد.هي «القلوب المليانة». إذ إنّ العلاقة بين الرجليْن لم تكن في أفضل أحوالها في الفترة الأخيرة، خصوصاً بعد الفراغ الرئاسي. ما عمّق الخلاف أن يعرف سليم من الإعلام أن طائرة عون تجول بين العواصم العربية والغربيّة، في كسر لأصول العلاقة بين وزير الدّفاع وقائد الجيش، والتي تكاد تنزلق لتعيد تجربة العلاقة السيئة بين عون ووزير الدفاع السابق الياس بو صعب.
لذلك، غاب التنسيق بين سليم وعون بعد إحالة إسحق إلى التقاعد ورفض سليم توقيع إرجاء تسريحه ورئيس الأركان اللواء أمين العرم. النتيجة الفادحة لذلك، وفق ما يقول متابعون، كانت بتكليف العميد جرجس ملحم بتسيير أعمال المفتشيّة وتكليف سليم العميد الطبيب ملحم الحداد بالمنصب نفسه!

(هيثم الموسوي)

الأمر لم ينتهِ هنا، إذ تفاقم الخلاف بعدما «عزل» عون الحداد بطريقة أقرب إلى «التأديبيّة»، مانعاً إيّاه من استلام المنصب وواضعاً إياه في تصرّف قائد الجيش، وأكثر من ذلك حرمانه حتى من قسائم المحروقات ومن السائق الذي كان يرافقه.
صحيح أن البعض اعتبر أنّ الخلاف مرتبط بالعلاقة السياسية بين الطرفين، إلا أنّ البعض الآخر يُشدّد على أنّ لا خلفيّات سياسيّة، وإنّما لكل طرف رأيه القانوني في التعيين.
بالنسبة لسليم، فإن المفتشية العامة التي تمتلك صلاحية التفتيش في الجيش لمصلحة وزارة الدفاع تتبع للوزارة بشكلٍ مباشر ولها صلاحياتها المستقلة في مراقبة العديد والإدارات. وهي تُكلّف بذلك من قبل الوزارة وتقدّم تقريرها إلى الوزير وقائد الجيش، بالتالي، فإنّ رئيس المفتشية المباشر هو وزير الدّفاع، وقد درجت العادة أن يتم تعيين المفتش في مجلس الوزراء بناء لاقتراحٍ من الوزير.
ولأنّ المفتشية مفصولة في صلاحياتها وعديدها وحتى في أُمرتها عن الجيش، تمسّك سليم بحقه في هذا التعيين. كما توخّى الدقة في اختيار أحد الضبّاط المفصولين إلى المفتشية وليس من الجيش، باعتبار أن التكليف من خارج المفتشية يحتاج إلى مذكّرة فصل من قبل القائد، من الجيش إلى المفتشية، بناء لطلب وزير الدفاع.
وساطة بين وزارة الدفاع وقيادة الجيش لحل إشكالية المفتشية العامّة


عليه، اختار سليم أعلى ضابط من طائفة الروم الأرثوذكس من داخل المفتشية لتكليفه بتسيير الأعمال خلفاً لإسحق، علماً أن الأجدى في أعراف المؤسسة العسكريّة هو تعيين الضابط الأقدم في المفتشيّة بغض النظر عن طائفته. 
في المقابل، يستند عون أيضاً إلى وجهة نظر قانونيّة أتاحت له تكليف العميد ملحم من مديريّة الأفراد إلى المفتشيّة باعتباره أقدم ضابط في الجيش من طائفة الروم الأرثوذكس.
هذه النظرية القانونيّة تقوم على اعتبار المؤسسة العسكريّة هي المؤسسة العامّة التي ترفد المؤسسات الأُخرى بالعديد والأمور اللوجستية والماديّة، ولو كان البعض منها يتبع لوزير الدفاع كما هو حاصل مع المفتشيّة العامّة، وهو ما ينطبق أيضاً على جهاز أمن المطار التابع إدارياً لوزارة الدّاخلية فيما يقوم قائد الجيش مثلاً بتعيين رئيسه. 
وعليه، يُدرك قائد الجيش أنّه لا يمكن له أن يتدخّل بالأمور الوظيفيّة. ولذلك، كان دقيقاً في فصل ملحم من الجيش إلى المفتشية باعتباره أقدم ضابط من طائفة الروم الأرثوذكس، إلا أنّه لم يقم بتكليفه رسمياً بتسيير أعمال المفتشيّة، بل انتظر بأن يقوم وزير الدفاع بذلك امتثالاً للأعراف والقانون لأنه يدرك أنه لا يمكن لقائد الجيش تعيينه.
انطلاقاً من هذه النقطة، يرجّح متابعون أن تتم السيطرة على الخلاف. وتشير معلومات «الأخبار» إلى وساطة طُرحت من قبل بعض الأطراف لحل الخلاف، وبقي هؤلاء يعملون على فتح خطوط التواصل بين وزارة الدفاع وقيادة الجيش حتّى ساعات متأخرة من ليل أمس، مرجحين أن تصل إلى نتيجة مرضية للطرفين خلال الساعات المقبلة.