يبدو أن التجميل الطبّي في لبنان صار «شغلة اللي ما إلو شغلة» مع تدهور الأوضاع الاقتصادية. مزيّن، ربّة منزل، طبيب أسنان، طالب طب، عاطل من العمل… مثل هؤلاء وغيرهم ارتأوا دخول قطاع التجميل. دورة تعليمية صغيرة في مستوصف، وأحياناً على «اليوتيوب» كافية بالنسبة إليهم لاستعمال الإبر وحقن طلاب الجمال الباحثين عن توفير في الكلفة. والنتيجة عشرات حالات التشوّه التي كلّفت الأفراد من صحتهم الجسدية والنفسية، كما أساءت إلى سمعة لبنان في الطب التجميلي بعدما كان قد نُظم هذا القطاع عام 2017.الشكاوى لا تنتهي، وقد دفعت لجان الصحة العامة والعمل والشؤون الاجتماعية إلى عقد جلسة قبل شهر تقريباً في المجلس النيابي لمناقشة القضية، برئاسة رئيس لجنة الصحة النائب بلال عبدالله، الذي أسف لأن إنجاز تنظيم ممارسة التجميل الطبي، ووضع أطر قانونية وتطبيقية له، تراجعا نتيجة الأزمات الأخيرة «وعدنا إلى أسوأ مما كنا عليه قبل القانون». وكشف عبدالله عن «مستحضرات تباع في السوق اللبنانية غير مرخّصة وغير مستوفية الشروط العلمية. لا نعلم من يوزعها أو يستوردها ولمصلحة من، وتعطى إلى منتحلي صفة، سواء كانوا لبنانيين أم غير لبنانيين، غير مؤهلين علمياً للعمل الطبي»، معلناً اتخاذ قرار لضبط الملف «وكلّ منتحل صفة ومضارب بالإعلانات وعلى مواقع التواصل الاجتماعي سيدفع الثمن، سنلاحقه. هذا قرار اتُّخذ على مستوى رسمي، بالتنسيق مع الرئيس بري ووزارة الصحة ولجنة الصحة والنقابات المعنية».

إقفال 12 فرعاً
يؤكد مدير العناية الطبية في وزارة الصّحة العامّة، الدكتور جوزيف الحلو، الذي حضر الجلسة، على جدية الخطوة لضبط الفلتان في القطاع. علماً أن وزارة الصحة «لم تتوقف عن مراقبة هذه المراكز عبر مراقبيها الذين يذهبون لأداء واجبهم على الموتسيكلات بسبب الوضع، يقدّمون تقريرهم وعلى أثرها يتحول المركز المعني إلى النيابة العامة، وقد أقفلنا قبل أسابيع 12 فرعاً بملكها شخص واحد». ويشجع الحلو المواطنين على التقدم بشكوى باسم مجهول ضد أيّ مركز غير مرخّص وحتى أشخاص يقومون بهذه الأعمال في بيوتهم ليصار بناءً على الشكوى إلى إرسال كشف إلى المكان.

رواد العدالة: إخبار ثم شكوى
قبل نحو شهرين، تقدّم أعضاء الدائرة القانونية لمجموعة «رواد العدالة»، بالتنسيق مع مستشار نقيب الأطباء للشؤون التجميلية رائد رطيل، بإخبار قضائي ضد ثمانية مراكز تجميل، تحوّل إلى شكوى جزائية اتّخذت صفة الادّعاء الشخصي عن 15 متضررة بتهمة ممارسة أعمال تجميلية تدخل ضمن نطاق الطب التجميلي، وتسبّبت بتشوّهات والتهابات جلدية حادة وندبات ونتوءات دائمة في الوجه وفي أماكن متعدّدة من الجسد.
وفي تفاصيل الادّعاء، قيام المراكز موضوع الإخبار، «بانتحال صفة أطباء تجميل حيث يعمدون إلى حقن الزبائن الراغبين بتحسين مظهرهم الخارجي بمواد فيلر وبوتوكس بعضها منتهي الصلاحية، وبعضها غير أصلي ومغشوش، وبعضها من النوعية الرديئة كالحقن الصينية التي تباع بأسعار مخفّضة جداً مقارنة بالأسعار الحقيقية للمواد الصحيحة من دون أن يبالوا إلا بالربح المادي».
وبسبب الأزمة الاقتصادية استقطبت الدكاكين التجميلية فئات واسعة خصوصاً النساء للقيام بإجراءات تجميلية كحقن البوتوكس والفيلر وبعض الأعمال الجراحية بأسعار مخفّضة جداً، مقارنة بسعرها لدى الأطباء المرخّصين، مع العلم أن بعض هذه المراكز يتواطأ مع أطباء غير اختصاصيين وغير مخوّلين افتتاح مراكز تجميل كأطباء الأسنان والأشعة، ومنهم أطباء في سني دراستهم الأولى، وذلك للتغطية على أعمالهم وإضفاء صبغة المشروعية. وبحسب القانون الناظم لمراكز التجميل الرقم 30 تاريخ 10/ 2/ 2017، يحق التقدم بطلب ترخيص لمراكز تجميل طبي فقط للحائزين على لقب اختصاصي الأمراض الجلدية، جراحة التجميل، جراحة الأنف والأذن والحنجرة، جراحة ترميم الفك والوجه، المستشفيات، شرط أن تكون متعاقدة مع طبيب مرخّص له.

250 مركزاً مُخالِفاً
يوضح منسق الدائرة القانونية لـ«روّاد العدالة» المحامي هيثم عزو لـ«الأخبار» أن «الشكاوى تتكاثر، وتصلنا صور وفيديوهات فظيعة لمتضرّرات من هذه العمليات. النساء يتعرضن للإجرام بفعل تجار لا يهتمون إلا بالربح المادي. في بعض الحالات، هناك من تكلّفن أموالاً طائلة لإصلاح ما يمكن إصلاحه جراء الحقن الخطأ أو عدم معرفة المواد الموجودة سابقاً في الجلد، والمواد الفاسدة أو ذات الجودة الرديئة».
أقفلت وزارة الصحة 12 فرعاً تقوم بالتجميل الطبي تابعة لشخص واحد

يضيف عزو أن الضرر الفادح الناتج عن تلك المراكز «أصبح ضرراً عاماً متفاقماً ومستمراً حيث تقوم هذه المراكز بمناورات الدعاية الكاذبة والاحتيال للتغرير بالزبائن الضحايا، فضلاً عما تلحقه بسمعة لبنان طبياً وضرب السياحة التجميلية فيه». لذلك «كوّنا الملف وتقدّمنا إلى النيابة العامة بدعاوى جرائم الإيذاء والتشويه وخصوصاً أن هذه الإجراءات عرّضت حياة البعض للخطر، كما أنها مخالفة للأنظمة». الادّعاء الذي بدأ ضد ثمانية مراكز توسّع «وشملت الشكوى نحو 250 مركزاً». ويطالب عزو بضرورة التحرك السريع والتحرّي عن هذه المراكز وتوقيف أصحابها وإنزال العقوبة المناسبة بحقهم وإقفال مراكزهم بالشمع الأحمر. وفيما يكشف أنّ «بعض هذه المراكز أقفلت والبعض أُوقف أصحابها، لكن تصلنا أخبار أن هؤلاء لن يرتدعوا وسيعيدون فتح هذه المراكز رغم التحذيرات».



شهادات ونصائح: اقتنعن بأشكالكنّ
سمعت رنا (اسم مستعار) عن صالون للتجميل صاحبته «شطورة وكثيرات يلجأن إليها لأن أسعارها مقبولة، فذهبت لكي تزرع لي حشوة في الثدي. في الزيارة الأولى رفعت لي صدري بالإبر وطلبت أن آتي بعد 15 يوماً لوضع الحشوة. وبعد 15 يوماً حقنتني مساعدتها مجدداً بإبر غرزتها كما لو أنها تطعنني، بعد عودتي إلى البيت ارتفعت حرارتي إلى الـ41 وصرت أتبوّل لا إرادياً. اتصلت بها، فطلبت مني أن أشتري إبرة مضادة للالتهابات، لكن حالتي أخذت تتدهور. ذهبت إليها في اليوم التالي، فصارت تسحب لي القيح بالإبرة، ومن ثم أرسلتني إلى الطبيب م. ص. الذي تتعاون معه، فخدّرني وسحب مني المادة في عيادته، وتبيّن أن صدري تشوّه بالكامل. قرّرت أن أجري عملية وقالت إنها ستعيد لي ما دفعته مقابل سكوتي، لكنّي طلبت منها أن تتكفل بالعملية فصارت تشتمني مؤكدة أنه لا يوجد إثبات ضدها. أجريت العملية في المستشفى العسكري على حسابي، وأكد لي الطبيب أن حالتي ليست الأولى، واكتشفت أنني لست الضحية الوحيدة لصاحبة الصالون».


تعرب فرح عن ندم شديد لأنها استمعت لنصائح الكثيرين بتكبير شفتيها، «رافقتني صديقتي إلى سيدة، فتحت صالوناً للحقن في شقتها، وقالت لي إنّها شاطرة وتستخدم موادَّ موثوقة، وبدل أن أدفع 200 دولار لطبيب أدفع لها 70 دولاراً فقط. قبل أن أذهب، قمت بجولة على صفحتها على الإنستغرام فوجدت إشادة بها. عندها حسمت أمري». بعدمت حقنت شفتا فرح، تورّمتا. اعتقدت أنّه ورم مرحلي، «لكن بعد ثلاثة أشهر من المعاناة والألم، بتّ بحاجة إلى جراحة لسحب المادة، وإن كنت خائفة جداً من النتيجة النهائية وأخشى أن أكون تشوّهت». تنصح فرح: «اقتنعن بأنفسكن، وإذا كان لا بدّ من العملية، فتوجهن إلى عيادة طبيب».
نتاليا ف. هي الأخرى ضحية مركز تجميل، أجرت فيلر لنفخ الشفتين «عند إنسانة متعدّية عالمهنة، وكانت من أسوأ التجارب التي أواجهها في حياتي، أعاني منذ 6 أشهر من التهابات بسبب نصف إبرة فيلر». تطالب بإقفال محلّ هذه السيدة «فهذا أقلّ عقاب لها. أنا تأذّيت لكنّي أنصح غيري أن لا يسترخصوا ولا يتوجهوا إلى شخص لا علاقة له بالاختصاص».