تعيش بلديات زحلة «كلّ يوم بيومه». تقتّر على المقيمين في نطاقها بسبب ضيق مواردها.«العين بصيرة واليد قصيرة». هكذا يصف كرم شمعون حال بلدية رياق التي يترأسها بالتكليف. «لا خدمات.. لا مشاريع استثمارية، ولا حتى جباية ضرائب». أزمة اقتصادية شلّت حركة بلدية رياق (قضاء زحلة) وجعلتها في مرمى الإفلاس بعدما لم تعد إمدادات الصندوق البلدي البالغة 800 مليون ليرة سنوياً لا تكفي لسداد أدنى الحاجات.
بالكاد يسدّد شمعون رواتب موظفيه التي لا تتخطى المليوني ليرة لبنانية لكلّ موظف، بما مجموعه 500 مليون ليرة سنوياً. كما يدفع أسبوعياً أكثر من 20 مليون ليرة لبنانية بدل مادة المازوت المخصّصة لشاحنات النفايات. فتتجاوز بذلك تكلفة المحروقات سنوياً الـ450 مليون ليرة لبنانية. كما تضطر البلدية لصيانة مجاري الصرف الصحي درءاً للمياه التي قد تغمر شوارع البلدة شتاءً. في المقابل تفتقر البلدة إلى الإنارة بعدما تعذّر على البلدية صيانة مصابيح الشوارع المعطلة.
ينشغل شمعون وأعضاء البلدية بالهموم اليومية، حتى أصبحت المشاريع التنموية في آخر سلم الأولويات. وعليه، أصبح حضور البلدية محصوراً بإمدادات الصندوق البلدي الذي يُحصّل دوماً بعد مرور عام أو عامين على أوانه، يرافقه غياب تام لجباية الضرائب.
يعود قصور جباية الضرائب، على حدّ قول شمعون، إلى الوضع الاقتصادي المزري لأبناء البلدة من جهة والذي تدهور مع استفحال الأزمة، وإلى التغافل عن دفع المستحقّات المتوجّبة عليهم من جهة أخرى، بحجّة أن البلدية لا تقدّم لهم شيئاً وأنها تملك ميزانية تكفيها لسنوات متقدّمة تغنيها عن رسوم القيم التأجيرية. وهذا ما ينفيه شمعون مؤكداً أن انعدام المشاريع في البلدة خير دليل على الميزانية المعدومة للبلدية.

الجباية بالقوة
قانوناً تعدّ الرسوم البلدية مفروضة وفقاً لقانون الرسوم والعلاوات البلدية، والتخلّف عنها يعني هدراً للمال العام وضياعاً للحقوق البلدية وحرمانها من تنفيذ المشاريع الإنمائية. ومع انعدام نص قانوني يعفي المواطنين من تسديد الرسوم البلدية، فإنّ على البلدية تحصيل مستحقاتها من القيم التأجيرية وممارسة صلاحياتها لتفعيل الجباية عبر الاستعانة بالكادر الإداري والبشري التابع لها.
يجد شمعون وسيلة فعّالة لحثّ السكّان على الدفع، ألا وهي إرغامهم على دفع الرسوم المتوجّبة عليهم، قبل تسليمهم أي ورقة قد يحتاجونها من البلدية. طريقة اتّبعها أخيراً بعدما تعرّض الجباة إلى الشتم والذّم من قبل بعض المواطنين تارة، وإلى إغلاق الأبواب وتجاهلهم تارة أخرى، بحسب ما أفاد شمعون.
وعلى الرغم من تعدّد الطرق التي انتهجتها البلدية لفرض دفع الرسوم ، إلا أن الجباية لا تزال محدودة، ولا سيما وأنها انخفضت إلى نسبة 5% بعدما تجاوزت نسبتها الـ20% قبيل الأزمة.
ومما لا شك فيه أن فعالية عمل البلدية تبقى رهن إمكاناتها، إن من الناحية المادية أو من ناحية الجهاز البشري وعدده، ففي أزمات كهذه يبقى التعويل على نخوة أبناء البلدة المقتدرين وتطوع أبنائها لمساعدة بعضهم، ما يجعلهم يتحركون بشكل تلقائي، وفق ما قال شمعون.

رفع القيمة التأجيرية
حال بلدية زحلة ليس أفضل بكثير من حال بلدية رياق، برغم فارق المساحة وعدد السكان والميزانية. مع ذلك، تجبي البلدية رسومها من سكان المدينة، رغم العوائق المادية التي تواجهها، محافظة على ثبات ميزانيتها غير آبهة بإمدادات الصندوق البلدي. هذه الإمدادات التي لا تعتبر سنداً إلا للبلديات الصغيرة، على حد قول أسعد زغيب رئيس بلدية زحلة. «على البلديات الخروج من تحت جناح الصندوق البلدي ومبدأ انتظار الدولة، ساعية إلى الاهتمام بشكل فعلي بالرسوم العائدة إلى البلدية والاعتماد عليها، كي تبقى البلديات صامدة أمام انهيارات البلد». هكذا يضع زغيب استراتيجيته لإدارة الأزمة.
ويشدّد زغيب على أهمية رفع القيم التأجيرية التي ما زالت تبلغ 50 ألف ليرة لبنانية، رغم الارتفاع الباهظ الذي شهدته تكاليف الخدمات المتوجّبة على البلدية بدءاً من الإنارة، فالطرقات، النفايات، إلى المازوت والتي بلغت تكلفتها أخيراً 12 ملياراً سنوياً بعدما لم تكن تتخطى الـ400 مليون.
لذا يرى زغيب، ضرورةً في الوصول إلى اللامركزية الإدارية والمالية في المجلس البلدي لما تضفيه الاستقلالية من تقدم وتسهيل وتسريع في الأمور البلدية، خصوصاً وأن الدولة لا تواكب عمل البلديات بشكل حثيث.
وعن ركود المشاريع الإنمائية في مدينة زحلة، يقول زغيب إن 23 مشروعاً قُدَّمت لمقاولين ليباشروا العمل بها، لكن لم يقبل أيّ منهم تعهّد أي مشروع، ويعود ذلك إلى نصّ عقد العمل بالليرة اللبنانية بدل الدولار، ومع تقلّب سعر الصرف بين ساعة وأخرى يمتنع أي متعهّد خوض مغامرة في أيّ مشروع.