تتداول وسائل الإعلام المحلية والأجنبية تهديدات مختلفة تتراوح بين التهديد بالحجز على أموال الدولة أو ممتلكات المصرف المركزي، وذلك خلافاً للقانون الدولي. فالاتفاقيات الدولية تمنح الدول حصانات على أملاكها، ومنها اتفاقية الأمم المتحدة لحصانات الدول وممتلكاتها. والفارق كبير بين الاستسلام المطلق من جهة، وبين التعاون القضائي بين الدول أو مع المنظمات الدولية. فممتلكات الدولة المنقولة وغير المنقولة، لا سيّما تلك الضرورية لتسيير شؤونها كدولة مستقلة ذات سيادة، مستثناة من أي ولاية قضائية لمحاكم الدول الأخرى.منذ عام 1977، أوصت لجنة القانون الدولي في الأمم المتحدة بدرس مسألة حصانات الدول وممتلكاتها. وكان الأبرز والأحدث اتفاقية الأمم المتحدة لحصانات الدول وممتلكاتها من الولاية القضائية التي أقرّتها الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2004. وقد تألفت الاتفاقية من أبواب ستة وتضمت تعريفات ومبادئ عامة، وحدّدت الدعاوى التي يجوز للدول الاحتجاج بالحصانة فيها وحصانة الدول من الإجراءات الجبرية السابقة لصدور الأحكام. وقد أبرم لبنان هذه الاتفاقية بموجب القانون 757/2006.


بسبب هذه الحصانة، حين يبرم لبنان اتفاقيات قرض، يطلب الدائن تنازل الدولة عن بعض الحصانات التي تتمتع بها الدولة أو المؤسسة العامة المقترضة. وسبق أن حصلت واقعة مشابهة حين أبرم لبنان اتفاقية مع شركة أجنبية عام 1995 لتطوير معمل قاديشا الكهربائي، فطلبت آنذاك هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل تعديل المادة 10 من الاتفاقية، لأنه يُخشى أن يدلى بوجه الدولة -في حال نشوء نزاع يتعلق بتنفيذ الاتفاقية- بأن الفقرة الأولى من المادة 10 تنطوي على تنازل الدولة بالمطلق عن أي حصانة تتناول ممتلكاتها من دون استثناء، الأمر الذي يشكل مساساً بسيادة الدولة، وقد ينعكس سلباً على مجالات وشروط الاقتراض مستقبلاً. وطلبت الهيئة بأن تبقى ممتلكات الدولة -المنقولة وغير المنقولة- الضرورية لتسيير شؤون الجمهورية كدولة مستقلة ذات سيادة، مستثناة صراحة من التنازل عن الحصانة الواردة في الاتفاقية.

ما هي الحصانة القضائية للدولة؟

تعني الحصانة القضائية أن تتمتع الدولة، في ما يتعلق بنفسها وبممتلكاتها، بالحصانة من ولاية محاكم دولة أخرى. أي أنه لا يجوز اتخاذ إجراءات جبرية مثل إجراءات الحجز، والحجز التحفظي، والحجز التنفيذي ضد ممتلكات دولة أخرى.
أما عن كيفية إعمال حصانة الدول، فإنها تكون عبر التزام الدول بالامتناع عن ممارسة الولاية القضائية في دعوى مقامة أمام محاكمها ضد دولة أخرى. وتضمن لهذه الغاية أن تقرر محاكمها من تلقاء نفسها احترام حصانة الدولة الأخرى، وبخاصة إذا كانت الدعوى تهدف في الواقع إلى التأثير في ممتلكات تلك الدولة أو في حقوقها أو مصالحها أو أنشطتها، وفي حال عدم التزام محاكم الدول بالامتناع عن النظر في القضية يمكن للدولة الأخرى الاحتجاج بالحصانة القضائية.

ويثار تساؤل حول مدى جواز أن توافق الدولة
على التنازل عن حصانتها القضائية؟

لقد أجازت الاتفاقية للأطراف الموافقة الصريحة على ممارسة الولاية القضائية من محاكم دولة أخرى، وذلك يكون بموجب اتفاقية دولية أو بموجب عقد مكتوب أو بإعلان أمام المحكمة أو برسالة خطية في دعوى محددة.
لا يحق للدولة أن تحتج بالحصانة القضائية إذا دخلت في معاملة تجارية مع شخص أجنبي طبيعي أو اعتباري

وفي حال توفّر إحدى هذه الحالات، لا يجوز لدولة أن تحتج بالحصانة من الولاية القضائية في دعوى مقامة أمام محكمة دولة أخرى في ما يتعلق بأي مسألة أو قضية، إذا كانت قد وافقت صراحة على أن تمارس المحكمة ولايتها في ما يتعلق بتلك المسألة أو القضية. كما لا يجوز لدولة أن تحتجّ بالحصانة من الولاية القضائية في دعوى مقامة أمام محكمة دولة أخرى، إذا كانت هي من أقامت تلك الدعوى أمام المحكمة الأجنبية أو تدخلت فيها أو اتخذت أي إجراء أمام ذلك القضاء الأجنبي. كما لا يحق للدولة أن تحتج بالحصانة القضائية إذا دخلت في معاملة تجارية مع شخص أجنبي طبيعي أو اعتباري، وكانت المنازعات المتعلقة بالمعاملة التجارية تقع، بمقتضى قواعد القانون الدولي الخاص الواجبة التطبيق، ضمن ولاية محكمة دولة أخرى.
فهل تنازل لبنان عن حصاناته أم أن عجزه يدفع المحاكم الأجنبية إلى التدخل بقبول صريح من الدولة؟